الإغاثة - حسن بن علي السقاف - الصفحة ١٦
(ولو قد شاء - الله - لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم).
ويشير في منهاج السنة (1 / 260) إلى تقوية حديث: جلوس الله على العرش وبقاء فراغ بمقدار أربع أصابع إلى غير ذلك من طامات ورثها عنه الإمام الحافظ ابن عبد الهادي الحنبلي الذي كان يسمع أهله وخاصته كتاب (إثبات الحد لله عز وجل وأنه قاعد وجالس على عرشه) للمجسم المحترف ابن سفنديار الدشتي الحنبلي كما تجد ذلك بخط ابن عبد الهادي على جزء الدشتي المذكور، مع أن المعروف عند كل مؤمن عاقل أن الأهل من زوجة وأولاد وكذا خاصة الرجل ممن ينبغي صونهم من الكفر البواح، وتسميعهم ما فيه تنزيه للباري تبارك وتعالى، وعناوين هذه الكتب تنبئ العاقل المتبصر بحال مصنفيها والمشتغلين بتسميعها لأهلهم وخاصتهم.
ومن تعصب ابن عبد الهادي لابن تيمية وتصنيفه للانتصار لذلك عاب عليه كبار العلماء كالإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني وغيره من الأكابر، ففي الفتح (3 / 66) مثلا ما نصه: قال الكرماني: وقع في هذه المسألة - مسألة الزيارة - في عصرنا في البلاد الشامية مناظرات كثيرة وصنف فيها رسائل من الطرفين، قلت: يشير إلى ما رد به الشيخ تقي الدين السبكي وغيره على الشيخ تقي الدين بن تيمية، وما انتصر به الحافظ شمس الدين ابن عبد الهادي وغيره لابن تيمية وهي مشهورة في بلادنا، والحاصل أنهم ألزموا ابن تيمية بتحريم شد الرحل إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنكرنا صورة ذلك (4).... وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية. ا ه‍

[تنبيه]: لمسألة تتعلق باستحباب زيارة قبر سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهي: أنه قد تلاعب أحد أتباع ابن تيمية بكلام الإمام النووي في الأذكار فحرفه اقتداء بمن قال الله فيهم (يحرفون الكلم عن مواضعه) وإني أسوق كلام الإمام النووي الأصلي الآن إن شاء الله تعالى ثم أردفه بالكلام المبدل لنتبين حقيقة الأمر، وليعشق من يعشق سلفية العصر على بينة فأقول:
كلام الإمام النووي الأصلي غير المحرف:
في كتاب الحج من الأذكار (ص 306 طبع دار الفكر دمشق) وكذا في المخطوط وباقي الطبعات وفي شرح الأذكار لابن علان ما نصه:
(فصل في زيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأذكارها):
إعلم أنه ينبغي لكل من حج أن يتوجه إلى زيارة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سواء كان ذلك طريقه أو لم يكن فإن زيارته (صلى الله عليه وسلم) من أهم القربات وأربح المساعي وأفضل الطلبات فإذا توجه للزيارة أكثر من الصلاة والسلام عليه (صلى الله عليه وسلم) في طريقه. فإذا وقع بصره على أشجار المدينة... ا ه‍ كلام الإمام النووي الأصلي.
كلام الإمام النووي المحرف الذي حرفه (عبد القادر الأرناؤوط) المتمسلف بأمر من سادته طمعا في المادة:
في كتاب الأذكار للإمام النووي (طبع دار الهدى الرياض 1409 د بإشراف وموافقة مراقبة المطبوعات برئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء ص 295) ما نصه:
فصل في زيارة مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم): اعلم أنه يستحب من أراد زيارة مسجد رسول (صلى الله عليه وسلم) أن يكثر من الصلاة عليه (صلى الله عليه وسلم) في طريقه فإذا وقع بصره على أشجار المدينة....
فتأمل هذا التحريف ولا أدري كيف حصل هذا تحت أنظار رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة (!) علما بأن الكتاب إذا كان فيه كلمة توسل بالنبي (صلى الله عليه وسلم) أو بيت من الشعر فيه مدح له (صلى الله عليه وسلم) فإن عين رئاسة البحوث تضبطه وتصادر الكتاب وتمنع دخوله. فهل أصاب عين رئاسة البحوث العمى فلم تر هذا التحريف لأنه يوافق مشربها؟!!
ثم تمادى المحقق المتمسلف المذكور فاسقط بعد صحيفة من كتاب الأذكار قصة العتبي التي ذكرها الإمام النووي لأنها تخالف ذاك المشرب العكر، فهل هذه هي الأمانة العلمية؟! وكان بإمكانه أن يعلق عليها بالإنكار كما فعل بعض إخوانه في طبعات أخرى دون أن يقترف هذا التحريف والتلاعب المشين الذي يؤدي إلى تشكيك المسلمين بما يطبع ويطرح بين أيدي عامة الناس من أمهات المراجع وكتب التراث.
سبب هذا التحريف فيما نرى:
أقول: والذي دعى المحقق والمشرف إلى أن يحرف عبارة الإمام النووي ويحذف منها هو التعصب لرأي ابن تيمية الحراني والذي أنكره عليه فحول علماء أهل السنة، وإليك بيان ذلك:
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (3 / 66):
والحاصل أنهم ألزموا ابن تيمية بتحريم شد الرحل إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنكرنا صورة ذلك.... وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية ا ه‍ قلت: وهذا التحريف اعتاد عليه الحشوية المجسمة في كل عصر كما أثبتت ذلك وقائع التاريخ وعندي على ذلك أمثلة تزيد على الثلاثمائة سأصدرها قريبا في رسالة أسردها فيها سردا، وانظر إلى ما يقوله الإمام الحافظ التاج السبكي في كتابه (قاعدة في الجرح والتعديل ص 48 من الطبعة الخامسة):
وقد وصل حال بعض المجسمة في زماننا إلى أن كتب شرح " صحيح مسلم " للشيخ محي الدين النووي، وحذف من كلام النووي ما تكلم به على أحاديث الصفات، فإن النووي أشعري العقيدة فلم تحمل قوى هذا الكاتب أن يكتب الكتاب على الوضع الذي صنفه مصنفه. وهذا عندي من كبائر الذنوب، فإنه تحريف للشريعة وفتح باب لا يؤمن معه بكتب الناس وما في أيديهم من المصنفات فقبح الله فاعله وأخزاه... الخ انتهى كلام الإمام الحافظ السبكي.
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 18 19 20 21 22 ... » »»