فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٦ - الصفحة ٩٥
قال الراغب: والمعتذر هو المظهر لما يمحو به الذنب (فلم يقبلها) منه (كان عليه من الخطيئة مثل صاحب مكس) لأن من صفاته تعالى قبول الاعتذار والعفو عن الزلات فمن أبى واستكبر عن ذلك فقد عرض نفسه لغضب الله ومقته. قال الراغب: وجميع المعاذير لا تنفك عن ثلاثة أوجه إما أن يقول لم أفعل أو فعلت لأجل كذا فيتبين ما يخرجه عن كونه ذنبا أو يقول فعلت ولا أعود فمن أنكر وأنبأ عن كذب ما نسب إليه فقد برئت منه ساحته وإن فعل وجحد فقد يعد التغابي عنه كرما ومن أقر فقد استوجب العفو بحسن ظنه بك. قال الحكماء: تحاذر عن مذنب لم يسلك بالإقرار طريقا حتى أخذ من رجائك رفيقا وإن قال فعلت ولا أعود فهذا هو التوبة وحق الإنسان أن يقتدي بالله في قبولها. قال الغزالي: مهما رأيت إنسانا يسئ الظن بالناس طالبا للعيوب فاعلم أنه خبيث في الباطن وأن ذلك خبث يترشح منه وإنما يرى غيره من حيث هو فإن المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العيوب والمؤمن سليم الصدر في حق الكافة، وفيه إيذان بعظم جرم المكس فإنه من الجرائم العظام. - (ه والضياء) المقدسي وابن حبان في روضة العقلاء من طريق وكيع عن سفيان عن ابن جرير عن ابن مينا (عن جودان) غير منسوب. قال الحافظ العراقي: اختلف في صحبته وجهله أبو حاتم وقال: لا صحبة له وباقي رجاله ثقات. قال: ورواه الطبراني عن جابر بسند ضعيف اه‍. وفي الإصابة عن ابن حبان: إن كان ابن جرير سمعه فهو حسن غريب، وما ذكر من أنه جودان بالجيم هو ما جرى عليه ابن ماجة قال ابن حجر: وهو الصواب وقول العسكري يودان تصحيف.
8476 - (من اعتز (1) بالعبيد أذله الله) يحتمل الدعاء لأنه طلب العز من غير الله العزيز وتعلق بالأسباب دون مسببها فاستوجب الدعاء عليه، أو هو خبر عن أن العبيد كلهم أذلاء تحت قهر العزيز فمن لجأ إلى أحد منهم فقد تعجل ذلا آخر على ذله وإنما سموا عبيدا لذلهم من قولهم طريق معبد أي مذلل بالأقدام وأيا ما كان فالعزة لله والاعتزاز بالعبيد من الجهل به وجهل العبد يذله لأنه مفتون بجميع من دونه والاعتزاز بالشر هو الامتناع به من النوائب فمن امتنع بما لا يملك به لنفسه نفعا ولا ضرا فقد ذل ومن اعتز بعرض الدنيا فهو المخذول في دينه الساقط من عين الله.
(تنبيه) قال في الحكم: إذا أردت أن يكون لك عز لا يفنى فلا تستعز بعز يفنى. العطاء من الخلق حرمان، والمنع من الله إحسان، جل ربنا أن يعامل العبد نقدا فيجازيه نسيئة، إن الله حكم بحكم قبل خلق السماوات والأرض أن لا يطيعه أحد إلا أعزه ولا يعصيه أحد إلا أذله فربط مع الطاعة العز ومع المعصية الذل كما ربط مع الإحراق النار فمن لا طاعة له لا عز له قال الحكيم: الاعتزاز بالعبيد منشؤه من حب العز وطلبه له فإذا طلب العز للدنيا وطلبه من العبيد ترك العمل بالحق والقول به لينال ذلك العز فيعزوه ويعظموه وعاقبة أمره الذلة وأنه سبحانه يمهل المخذول وينتهي به إلى أن يستخف لباس
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»
الفهرست