فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٦ - الصفحة ٥٣٢
جواهركم أمام الخنازير فتدوسها بأرجلها فترجع فتذمنكم اه‍. قال حجة الإسلام: ومن قصد بطلب العلم المنافسة والمباهاة والتقدم على الأقران واستمالة وجوه الناس وجمع الحطام فهو ساع في هدم دينه وإهلاك نفسه فصفقته خاسرة وتجارته بائرة وفعله معين له على عصيانه شريط له في خسرانه فهو كبائع سيف من قاطع طريق ومن أعان على معصية ولو بشطر كلمة كان شريكا فيها اه‍. فعلى العالم أن لا يعرج إلى بث الحكمة لغير أهلها وأن لا يضعها إلا في قلب طاهر نقي لإتقانه الحكمة فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب إن لكل تربة غرسا ولكل بناء أساس وما كل رأس تستحق التيجان ولا كل طبيعة تستحق إفادة البيان وإن كان ولا بد فيقتصر معه على إقناع يبلغه فهمه قيل كما أن لب الثمار معد للأنام والتبن مباح للأنعام فلب الحكمة معد لذوي الألباب وقشورها مجعولة للأغنام وكما أنه من المحال أن يشم الأخشم ريحا فمحال أن يفيد الحمار بيانا صحيحا (ابن النجار) في ذيل تاريخ بغداد (عن أنس) بن مالك حديث ضعيف جدا بل أورده ابن الجوزي في الموضوعات لكن له شاهد عن ابن ماجة عن أنس بلفظ واضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب.
9823 - (لا تطرحوا) وفي رواية لا تعلقوا (الدر في أفواه الكلاب) فإن الحكمة كالدر بل أعظم ومن كرهها أو لم يعرف قدرها فهو شر من الكلب والخنزير ولذلك قيل: كل لكل عبد بمعيار عقله وزن له بميزان فهمه حتى تسلم منه وإلا وقع الإنكار لتفاوت المعيار وقال علي كرم الله وجهه وأشار إلى صدره إن ههنا علما جما لو وجدت له حملة. قال الغزالي: وصدق فقلوب الأبرار قبور الأسرار فلا ينبغي أن يفشي العالم كل ما يعلمه إلى كل أحد هذا إذا كان من يفهمه كيس أهلا للانتفاع به فكيف بمن لا يفهمه وقيل في قوله تعالى * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * الآية، أنه نبه به على هذا المعنى وذلك لأنه لما منعنا من تمكين السفيه من المال الذي هو عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر تفاديا أنه ربما يؤديه إلى هلاك دنيوي، فلأن يمنع عن تمكينه من حقائق العلوم التي إذا تناولها السفيه أداه إلى ضلال وإضلال وهلاك وإهلاك: أولى قال:
إذا ما اقتنى العلم ذو شرة * تضاعف ما ذم من مخبره وصادف من علمه قوة * يصول بها الشر في جوهره وكما أنه يجب على الحكام إذا وجدوا من السفهاء رشدا أن يدفعوا إليهم أموالهم للآية فواجب على الحكماء والعلماء إذا وجدوا من المسترشدين قبولا أن يدفعوا إليهم العلوم بقدر استحقاقهم فالعلم قنية يتوصل بها إلى الحياة الأخروية كما أن المال قنية في المعاونة على الحياة الدنيوية (المخلص) أبو الطاهر والعسكري (عن أنس) بن مالك وفيه يحيى بن عقبة بن أبي العيزار كذاب يضع لكن شاهده ما قبله فهما يتعاضدان ثم هذا قد رواه باللفظ المزبور أبو نعيم والطبراني والديلمي وغيرهم ولعل المؤلف اقتصر على هذه الطريق لكونها أقوى عنده ولو جمع الكل لكان أولى.
9824 - (لا تطرقوا النساء) بضم الراء ولا يكون إلا (ليلا) عند الجمهور فالإتيان به للتأكيد أو
(٥٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 527 528 529 530 531 532 533 534 535 536 537 ... » »»
الفهرست