فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٦ - الصفحة ٤٥٩
يمشي أحد في حال من الأحوال إلا في حال ابتلال قدميه (كذلك صاحب الدنيا لا يسلم من الذنوب) فيه تخويف شديد منها وحث على الزهد فيها وإيثار الآخرة على الأولى (هب عن أنس) بن مالك.
9593 - (هلاك أمتي) الموجودين إذ ذاك أو من قاربهم لا كل الأمة إلى يوم القيامة (على يدي) بالتثنية وروي بلفظ الجمع (غلمة) كفتية جمع غلام وهو الطار الشارب أي صبيان وفي رواية أغيلمة تصغير أغلمة قياسا ولم يجز ولم يستعمل كذا ذكره الزمخشري قال: والغلام هو الصغير إلى حد الالتحاء فإن قيل له بعد الالتحاء غلام فهو مجاز اه‍. وهذا محتمل لتحقير شأن الحاصل منه هذا الهلاك من حيث إنه حدث ناقص العقل ويحتمل التعظيم باعتبار الحاصل منهم [ص 355] من الهلاك وكيفما كان ليس المراد هنا الحقيقة اللغوية فإن الغلام فيها ذكر غير بالغ ووردوه للبالغ على لسان الشارع غير عزيز كما في خبر الإسراء وغيره (من قريش) قال جمع منهم القرطبي منهم يزيد بن معاوية وأضرابه من أحداث ملوك بني أمية فقد كان منهم ما كان من قتل أهل البيت وخيار المهاجرين والأنصار بمكة والمدينة وسبي أهل البيت قال القرطبي: وغير خاف ما صدر عن بني أمية وحجاجهم من سفك الدماء وإتلاف الأموال وإهلاك الناس بالحجاز والعراق وغيرهما قال: وبالجملة فبنو أمية قابلوا وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم في أهل بيته وأمته بالمخالفة والعقوق فسفكوا دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخربوا ديارهم وجحدوا شرفهم وفضلهم واستباحوا نسلهم وسبيهم وسبهم فخالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته وقابلوه بنقيض قصده وأمنيته. فيا خجلهم إذا التقوا بين يديه ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه وهذا الخبر من المعجزات، وقال ابن حجر وتبعه القسطلاني: وفي كلام ابن بطال إشارة إلى أن أول الأغيلمة يزيد كان في سنة ستين قال: وهو كذلك فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها وبقي إلى سنة أربع وستين فمات، ثم ولى ولده معاوية ومات بعد أشهر قال الطيبي: رآهم المصطفى صلى الله عليه وسلم في منامه يلعبون على منبره والمراد بالأمة هنا من كان في زمن ولايتهم. (تتمة) من أمثالهم الباروخ على اليافوخ أهون من ولاية بعض الفروخ (حم خ) في الفتن وغيرها (عن أبي هريرة) قال: سمعت الصادق المصدوق يقول فذكره كان ذلك بحضرة مروان بن الحكم فقال: لعنة الله عليهم غلمة فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وفلان لفعلت وقد ورد في عدة أخبار لعن الحكم والد مروان وما ولد.
9594 - (هلك المتنطعون) أي المتعمقون المتقعرون في الكلام الذين يرومون بجودة سبكه سبي قلوب الناس يقال تنطع الرجل في علمه إذا تنطس فيه قال أوس:
وحشو جفير من فروع غرائب * تنطع فيها صانع وتأملا ذكره الزمخشري قال: وأراد النهي عن التماري والتلاحي في القراءات المختلفة وأن مرجعها إلى وجه واحد من الحسن والصواب اه‍. وقال النووي: فيه كراهة التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف الفصاحة واستعمال وحشي اللغة ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام ونحوهم اه‍. وقال غيره: المراد بالحديث الغالون في خوضهم فيما لا يعنيهم وقيل: المتعنتون في السؤال عن عويص المسائل الذي يندر
(٤٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 454 455 456 457 458 459 460 461 462 463 464 ... » »»
الفهرست