فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٤ - الصفحة ٦٤٣
يعظم الذنب عند الحاكم عظمة تقنطك من حسن الظن بالله فإن من عرف ربه استصغر في جنب كرمه ذنبه، لا صغيرة إذا قابلك عدله ولا كبيرة إذا واجهك فضله (مهمة) قال العارف الشاذلي: قرأت ليلة * (قل أعوذ برب الناس) * فقيل لي شر الوسواس وسواس يدخل بينك وبين حبيبك يذكرك أفعالك السيئة وينسيك ألطافه الحسنة ويقلل عندك ذات اليمين ويكثر عندك ذات الشمال ليعدل بك عن حسن الظن بالله وكرمه إلى سوء الظن بالله ورسوله فأحذرك هذا الباب فقد أخذ منه خلق كثير من العباد والزهاد وأهل الطاعة والسداد. (طب ك) في التوبة (عن وائلة) بن الأسقع قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وقال الهيثمي: رجاله ثقات وهذا في الصحيحين بدون قوله ما شاء.
6050 - (قال الله تعالى يا ابن آدم قم إلي أمش إليك وامش إلي أهرول إليك) قال بعض العارفين:
هذا وأشباهه إن خطر ببالك أو تصور في خيالك أن ذلك قرب مسافة أو مشي جارحة فأنت هالك فإنه سبحانه بخلاف ذلك وإنما معناه أنك إذا تقربت إليه بالخدمة تقرب منك بالرحمة، أنت تتقرب منه بالسجود وهو يتقرب منك بالجود. (حم) من حديث شريح بن الحارث (عن رجل) من الصحابة قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير شريح وهو ثقة.
6051 - (قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي إن ظن) بي (خيرا فله) مقتضى ظنه (وإن ظن) بي (شرا) أي أني أفعل به شرا (فله) ما ظنه فالمعاملة تدور مع الظن فإذا أحسن ظنه بربه وفى له بما أمل وظن والتطير سوء الظن بالله وهروب عن قضائه فالعقوبة إليه سريعة والمقت له كائن، ألا ترى إلى العصابة التي فرت من الطاعون كيف أماتهم؟ قال الحكيم الترمذي: الظن ما تردد في الصدر وإنما يحدث من الوهم والظن هاجسة النفس وللنفس إحساس بالأشياء فإذا عرض أمر دبر لها الحس شأن الأمر العارض فما خرج لها من التدبير فهو هواجس النفس فالمؤمن نور التوحيد في قلبه فإذا هجست نفسه لعارض أضاء النور فاستقرت النفس فاطمن القلب فحسن ظنه لأن ذلك النور يريه من علائم التوحيد وشواهده ما تسكن النفس إليه وتعلمه أن الله كافيه وحسبه في كل أموره وأنه كريم رحيم عطوف به فهذا حسن الظن بالله وأما إذا غلب شره النفس وشهواتها فيفور دخان شهواتها كدخان الحريق فيظلم القلب وتغلب الظلمة على الضوء فتحيى النفس بهواجسها وأفكارها وتضطرب ويتزعزع القلب عن مستقره وتفقد الطمأنينة وتعمى عين الفؤاد لكثرة الظلمة والدخان فذلك سوء الظن بالله فإذا أراد الله بعبد خيرا أعطاه حسن الظن بأن يزيده نورا يقذفه في قلبه ليقشع ظلمة الصدر كسحاب ينقشع عن ضوء القمر ومن لم يمنح ذلك فصدره مظلم لما أتت به النفس من داخل شهواتها والعبد
(٦٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 638 639 640 641 642 643 644 645 646 647 648 ... » »»
الفهرست