فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٤ - الصفحة ٥٦٩
مستأنفة لبيان التفاوت العظيم بين العالم والعابد وأن نفع العابد مقصور على نفسه ونفع العالم متجاوز إلى الخلائق حتى النملة وعطف أهل السماوات على الملائكة تخصيص بحملة العرش وسكان أمكنة خارجة عن السماوات والأرض من الملائكة المقربين كما ثبت في النصوص وفي يصلون تغليب للعقلاء على غيرهم واشتراك فإن الصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار ومن الغير دعاء وطلب وذكر النملة وتخصيصها مشعر بأن صلاتها بحصول البركة النازلة من السماء فإن دأب النملة القنية وادخارها القوت في جحرها ثم التدرج منها إلى الحيتان وإعادة كلمة الغاية للترقي والصلاة من الله بمعنى الرحمة ومن الملائكة بمعنى الاستغفار المعبر به في الرواية الأخرى ولا رتبة فوق رتبة من تشتغل الملائكة وجميع المخلوقات بالاستغفار والدعاء له إلى القيامة ولهذا كان ثوابه لا ينقطع بموته وأنه ليتنافس في دعوة رجل صالح فكيف بدعاء الملأ الأعلى وأما إلهام الحيوانات الاستغفار له فقيل لأنها خلقت لمصالح العباد ومنافعهم والعلماء هم المبينون ما يحل منها وما يحرم ويوصون بالإحسان إليها ودفع الضر عنها حتى بإحسان القتلة والنهي عن المثلة فاستغفارهم له شكر لذلك النعمة وذلك في حق البشر آكد لأن احتياجهم إلى العلم أشد وعود فوائده عليهم أتم. (ت) في العلم (عن أبي أمامة) الباهلي قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم فذكره قال الترمذي: غريب وفي نسخة حسن صحيح. قال الصدر المناوي: وفيه الوليد بن جميل لينه أبو زرعة.
5860 - (فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) قال البيضاوي:
العبادة كمال ونور لازم ذات العابد لا يتخطاه فشابه نور الكواكب والعلم كمال يوجب للعالم في نفسه شرفا وفضلا ويتعدى منه إلى غيره فيستفيض نوره وكماله ويكمل بواسطته لكنه كمال ليس للعالم في ذاته بل نوره يتلقاه من المصطفى صلى الله عليه وسلم فلذلك شبه بالقمر ولا نظن أن العالم المفضل عار عن العمل ولا العابد عن العلم بل إن علم ذلك غالب على عمله وعمل هذا غالب على علمه ولذلك جعل العلماء ورثة الأنبياء والمراد بالفضل كثرة ثواب ما يعطيه الله للعبد في الآخرة من درجات الجنة ولذاتها ومأكلها ومشربها ونعيمها الجسماني أو ما يمنح من مقامات القرب ولذة النظر إليه وسماع كلامه ولذة المعارف الإلهية الحاصلة عند كشف الغطاء ونحو ذلك قال ابن الملقي: فيه أن نور العلم يزيد على نور العبادة كما مثله بالقمر بالنسبة لباقي الكواكب (تنبيه) قال ابن عربي: العالم أشرف من صاحب الحال فإن صاحب الحال حكمه كالمجنون لا يكتب له ولا عليه والعالم يكتب له وعليه فصاحب العلم أتم من صاحب الحال فالحال في الدنيا نقص وفي الآخرة تمام والعلم هنا تمام وفي الآخرة تمام (تنبيه) المراد في هذه الأخبار بالعالم من صرف زمنه للتعليم وللإفتاء والتصنيف ونحو ذلك وبالعابد من انقطع للعبادة تاركا ذلك وإن كان عالما. (حل عن معاذ) بن جبل قضية تصرف المصنف أنه لم يخرجه أحد من الستة وليس كذلك بل رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
(٥٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 564 565 566 567 568 569 570 571 572 573 574 ... » »»
الفهرست