فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٤ - الصفحة ٤٨٩
5658 - (العالم سلطان الله في الأرض) بين خلقه (فمن وقع فيه) أي ذمه وعابه وسبه واغتابه (فقد هلك) أي فعل فعلا يؤدي إلى الهلاك الأخروي لأن الدنيا مزرعة الآخرة ولا يتم أمر الدنيا إلا بالملك ولا يتم الملك إلا بالعلم لأنه مرشد السلطان إلى طريق سياسة الخلق وحراستهم فالعلم أصل والسلطان حارس وما لا أصل له فمهدوم وما لا حارس له فضائع فإضراره إضرار بالدنيا والدين فلذلك كانت أمه من الهالكين ومن ثم كان غيبة العلماء كبيرة (1) وقال الحرالي: إنما كان سلطانا بل أعظم لأن الملوك وإن تشرفوا بملك الدنيا فليس لهم من عزة الدين شئ والعلماء أعزهم الله بالدين تخدمهم الأحرار ويتوطأ لهم الأخيار ولا يجدون وحشة ولا يحضرون في محل الأشرار ولا تسقط لهم حرمة حيثما كانوا والسلطان لا يخدمه إلا من استرقه قهرا ولا يملك حجاب قلوبهم محصور في أقطار مملكته لا يخرج عنها حتى يمتنع الملوك من الحج خوف نيل الذل في غير موطن الملك والعالم ممكن في الأرض كلها قد خرج من سجن الملك إلى سعة العز بعزة الله. (فر عن أبي ذر) لكنه أعني الديلمي لم يذكر له سندا في مسند الفردوس بل بيض له لعدم وقوفه عليه فإطلاق المصنف العزو إليه غير صواب.
5659 - (العالم والعلم والعمل في الجنة) إذا عمل العالم بما علم (فإذا لم يعمل العالم بما يعلم كان العلم والعمل في الجنة وكان العالم في النار) فهذا العالم كالجاهل بل الجاهل خير منه ولهذا قال سفيان: إن أنا عملت بما أعلم فأنا أعلم الناس وإن لم أعمل به فليس في الدنيا أجهل مني وقال أبو الدرداء: لا يكون المرء عالما حتى يكون بعلمه عاملا لكن ليس المراد بالعالم العامل كونه لا يصدر عنه ذنب قط لأن العصمة مقام الأنبياء بل أن يكون محفوظا حتى لا يصر على الذنوب وإن حصلت منه هفوات أو زلات فلا تخرجه عن ذلك حيث تداركه مولاه بالإنابة سريعا فالعالم العامل لا يصر لأن النور الرباني المخامر لقلبه يمنعه منه * (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) * أي فيسترجعون من الشيطان ما اختلسه ويستردون منه ما افترسه لانبعاث جيوش الاستغفار والذلة والخضوع والافتقار وانقشاع سحب الغفلة والافتخار وإشراق شمس البصيرة فلا تدعهم تقواهم للإصرار على مخالفة مولاهم بل ربما كانوا بعد المعصية أكمل مما قبلها لعظيم ما نشأ عن ذلك من الذلة والانكسار والالتجاء والافتقار وهذا هو الحكمة في جريان المخالفة عليهم ومن ثم قال بعض العارفين: من سبقت له العناية لم تضره الجناية. (فر عن أبي هريرة)
(٤٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 494 ... » »»
الفهرست