فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٤ - الصفحة ١٢٢
ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفا (هم الذين لا يكتوون ولا يكوون ولا يسترقون) ليس في البخاري ولا يسترقون قال ابن تيمية: وهو الصواب وإنما هي لفظة وقعت مقحمة في هذا الحديث وهي غلط من بعض الرواة فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الوصف الذي استحق به هؤلاء دخولها بغير حساب تحقيق التوحيد وتجريده فلا يسألون غيرهم أن يرقبهم (ولا يتطيرون) لأن الطيرة نوع من الشرك (وعلى ربهم يتوكلون) قدم الظرف ليفيد الاختصاص أي عليه لا على غيره وهذه درجة الخواص المعرضين عن الأسباب بالكلية الواقفين مع المسبب ولا ينظرون سواه فكمل تفويضهم وتوكلهم من كل وجه ولم يكن لهم اختيار لأنفسهم ليفعلوا شيئا منها قال المظهر: يحتمل أن يراد بقوله سبعون العدد وأن يراد الكثرة ورجح باختلاف الأخبار في المقدار فروى مائة ألف وروى مع كل واحد من السبعين ألفا سبعون ألفا وغير ذلك. (البزار) في مسنده (عن أنس) قال العلائي: حديث غريب من حديث أنس صحيح من حديث غيره وقال تلميذه الهيثمي: رواه البزار وفيه مبارك أبو سحيم وهو متروك وقال غيره: المبارك واه جدا.
4650 - (سبق درهم مائة ألف درهم) قالوا: يا رسول الله كيف يسبق درهم مائة ألف قال:
(رجل له درهمان أخذ أحدهما فتصدق به ورجل له مال كثير فأخذ من عرضه مائة ألف فتصدق بها) قال اليافعي: فإذا أخرج رجل من ماله مائة ألف وتصدق بها وأخرج آخر درهما واحدا من درهمين لا يملك غيرهما طيبة بها نفسه صار صاحب الدرهم الواحد أفضل من صاحب مائة ألف درهم اه‍ وقال في المطامح: فيه دليل على أن الصدقة من القليل أنفع وأفضل منها من الكثير * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * والدرجات تتباين بحسب تباين المقاصد والأحوال والأعمال. (ن عن أبي ذر ن حب ك) في الزكاة (عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط مسلم.
4651 - (سبق المفردون) أي المنفردون المعتزلون عن الناس من فرد إذا اعتزل وتخلى للعبادة فكأنه أفرد نفسه بالتبتل إلى الله أي سبقوا بنيل الزلفى والعروج إلى الدرجات العلى، روي بتشديد الراء وتخفيفها قال النووي في الأذكار: والمشهور الذي قاله الجمهور التشديد قالوا: وما المفردون يا رسول الله قال: هم (المستهترون) وفي رواية المشمرون (في ذكر الله) وعلى الأولى فالمراد الذين أولعوا به يقال اهتر فلان بكذا واستهتر أي مولع به لا يتحدث بغيره ولا يفعل سواه، ذكره جمع، وقال الحكيم الترمذي: المستهتر هو الذي نطق عن ربه لشبه كلامه كلام من لم يستعمله عقله لأن العقل يخرج الكلام على اللسان بتدبر وتؤدة وهذا المهتر إنما نطقه كالماء يجري على لسانه حتى يشبه الهذيان في بعض الأحيان عند العامة وهو في الباطن مع الله من أصفياء الناطقين وأطهرهم وأصدقهم، إلى هنا كلامه.
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»
الفهرست