فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٤ - الصفحة ١١٩
آثر طاعة الله وغلب عليه حبه صار قلبه ملتفتا إلى المسجد لا يحب البراح عنه لوجدانه فيه روح القربة وحلاوة الخدمة فآوى إلى الله مؤثرا فأظله (ورجل يعطي الصدقة) التطوع (بيمينه فيكاد يخفيها عن شماله) لأنه آثر الله على نفسه ببذل الدنيا إيثارا لحب الله على ما تحبه نفسه إذ شأن النفس حب الدنيا فلا يبذلها إلا من آثر الله عليها فاستحق الإظلال، قيل: ومن الخفية أن يشتري منه بدرهم ما يساوي نصفه ففي الصورة قبضه بصورة البيع وهو بالحقيقة صدقة (وإمام مقسط في رعيته) أي متبع أمر الله فيهم بوضع كل شئ في محله بغير إفراط ولا تفريط فلما عدل في عباد الله فآوى المظلوم إلى ظل عدله آواه الله في ظله ولذا كان الإمام العادل من أعلى الناس منزلة يوم القيامة بمقتضى الحديث فالجائر من أخس الناس منزلة يوم القيامة (ورجل عرضت عليه امرأة نفسها) ليجامعها بالزنا (ذات منصب وجمال فتركها لجلال الله) فإنه صلى نار مخالفة الهوى مخافة مولاه وخالف بواعث الطبع للتقوى فلما خاف من الله هرب إليه فلما هرب هنا إليه معاملة آواه إليه في الآخرة مواصلة (ورجل كان في سرية مع قوم فلقوا العدو فانكشفوا فحمى آثارهم حتى نجا ونجوا أو استشهد) فإنه لما بذل نفسه لله استوجب كونه في القيامة في حماه، وتشترك الأقسام السبعة في معنى واحد فجوزوا جزاء واحدا صلى كل منهم حر مخالفة الهوى في الدنيا فلم يذقه الله حر الأخرى.
(تنبيه) قد نظم أبو شامة معنى هذا الحديث فقال:
وقال النبي المصطفى إن سبعة * يظلهم الله العظيم بظله محب عفيف ناشئ متصدق * وباك مصل والإمام بعدله وذيل عليه الحافظ ابن حجر في أبيات أخر. (ابن زنجويه عن الحسن مرسلا) وهو البصري (ابن عساكر) في تاريخ دمشق (عن أبي هريرة).
(تنبيه) ممن ورد أن يكون في الظل أيضا رجل تعلم القرآن في صغره فهو يتلوه في كبره ورجل يراعي الشمس لمواقيت الصلاة ورجل إن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت عن حلم وتاجر اشترى وباع فلم يقل إلا حقا ومن أنظر معسرا أو وضع له وسقا ورجل ترك لغارم أو تصدق عليه ومن عان أخرق أي من لا صنعة له ولا يقدر أن يتعلم صنعة ومن أعان مجاهدا في سبيل الله أو غارما في عسرته أو مكاتبا في رقبته ومن أظل رأس غاز والوضوء على المكاره والمشي إلى المساجد في الظلم ومن أطعم الجائع حتى يشبع ومن لزم البيع والشراء فلم يذم إذا اشترى ولم يحمد إذا باع وصدق الحديث وأدى الأمانة ولم يتمن للمؤمنين الغلاء ومن حسن خلقه حتى مع الكفار ومن كفل يتيما أو أرملة ومن إذا أعطى الحق قبله وإذا سئله بذله ومن حاكم للناس كحكمه لنفسه ومن صلى على الجنائز ليحزنه ذلك فأحزنه ومن
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»
الفهرست