فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ٩٤
ولأقطعنه من وصلي أتؤمل غيري وأنا الكريم وتطرق أبواب الغير وبيدي مفاتيحها وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني من ذا الذي أملني لنائبة فقطعت به دونها ومن ذا الذي رجاني لعظيم وقطعت رجاه (وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء من يديه) أي حجبت ومنعت عنه الطرق والجهات والنواحي التي يتوصل بها إلى الاستعلاء والسمو ونيل المطالب وبلوغ المآرب فمن اعتصم بمن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا واغتر بعرض الدنيا فهو المخذول في دينه الساقط من عين الله قال في الصحاح: السبب كل شئ يتوصل به إلى غيره وأسباب السماء نواحيها قال الزمخشري: الأسباب الوصل وتقول ما لي إليه سبب أي طرق والسمو العلو ويقال سما يسمو سموا علا ومنه قيل سمت همته إلى معالي الأمور إذا طلب العز والشرف (وأرسخت الهوى من تحت قدميه) يحتمل أن الهوى بضم الهاء وكسر الواو وهو السقوط من علو إلى أسفل ويكون المعنى أثبت الهوى تحت قدميه فلا يزال في مهواه هابطا عن منازل العز والشرف متباعدا عن مولاه ويحتمل أنه الهوى بالقصر وهو ميل النفس وإشرافها إلى مذموم والهوى أيضا الشئ الخالي، ومن كلامهم لا تتبع الهوى فمن تبع الهوى قال الإمام الرازي في تفسيره: الذي جربته طول عمري أن الإنسان كلما عول في أمر على غير الله صار سببا للبلاء والمحنة وإذا عول على الله ولم يرجع إلى أحد من الخلق حصل المطلوب على أحسن وجه فهذه التجربة قد استمرت من أول عمري إلى هذا الوقت، فعلم أن كل من استند في نصرته إلى الخلق بنفسه أو بوكيله أو بقلبه تخلفت عنه نصرة الحق تعالى إلا أن يكون مشهده أن نصرة الخلق من جملة نصرة الحق تعالى له من جهة أنه الملهم لهم أن ينصروه فإنه تعالى ينصر عبده بواسطة وبدونها والكل منه فلا يقدح ذلك في مقام الاستناد إليه تعالى بل هو أكمل لأن فيه استعمال الآلة وعدم تعطيلها (وما من عبد يطيعني إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني وغافر له) ما فرط منه من الصغائر ومقيلا له ما سقط فيه من هفوة أو عثرة (قبل أن يستغفرني) أي قبل أيطلب مني الغفر أي الستر وإنما نزلناه على الصغائر والهفوات لأنه فرضه أولا مطيعا له (ابن عساكر) في التاريخ (عن كعب بن مالك) ورواه عنه الديلمي أيضا في الفردوس.
2784 (أوسعوا مسجدكم) أيها المؤمنون الذين يعمرون مسجدا (تملؤوه) أي فإنكم مستكثرون حتى تملؤوه لأن الناس سيدخلون في دين الله أفواجا فلا تنظروا إلى قلة عددكم اليوم وأصل الوسع تباعد الأطراف والحدود ذكره الحرالي (طب) وكذا أبو نعيم والخطيب (عن كعب بن مالك) قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يبنون مسجدا فذكره قال الهيثمي: وفيه محمد بن درهم ضعيف انتهى وقال الذهبي في المهذب: هو واه، وفي الميزان عن جمع محمد هذا ضعيف ثم ساق له هذا الحديث وأقول
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»
الفهرست