وما لا يتعلق بالدين وفيه أن ذكر الله أفضل الأعمال ورأس كل عبادة والحديث من كنوز الحكم وجوامع الكلم لدلالته بالمنطوق على جميع الخلال الحميدة وبالمفهوم على رذائلها القبيحة (تنبيه) قال ابن عطاء الله: تحقيرك للدنيا وأنت مقبل عليها زور وبهتان وتعظيمك لله مع وجود إعراضك عنه من أمارات الخذلان كيف ترجو أن يكون لك قدر عنده وقد استعبدك ما ليس له قدر عنده لو اشتغلت بالباقيات عنه ما كان ذلك عذر لك عنده هذا إن اشتغلت بباق يبقى فكيف إذا اشتغلت بفان يفنى. (تنبيه) قال الحكيم: الدنيا هي هذه الدار التي دورت أرضها تدويرا بجبل قاف وأحيط عليها بالجبل وتلك دار أخرى وهي الآخرة وهذه أولى وسميت دنيا لأنها أدنيت إليك والآخرة تعقبها فسميت عاقبة والعاقبة للمتقين وفي هذه الدار زينة وحياة فزينة هذه أصلها من تلك لكن نبتت ونشأت من أرض هي ذهبها وفضتها وجواهرها وأصل الشهوة من الفرج وأصل اللذة من الذهن وأصل القالب من التراب والحياة مسكنها في الروح والروح مسكنه في الدماغ وهو منبث في جميع الجسد وأصله معلق في عرق القلب وهو نياطه والنفس مسكنها في البطن وهي منبثة في جميع البدن وأصلها مشدود بذلك العرق والشهوات في النفس واللذة منها وعملها في الذهن ففيه الزينة والحياة التي في النفس تستعمل هذا القالب فما كان إلى العين خرج إلى العين وما كان من السمع خرج للسمع وما من النطق خرج للسان وما كان من عمل اليد أو الرجل خرج إليهما وما من عمل الفرج خرج إليه وما من عمل البطن خرج إليه فمخرج أعمال الجوارح السبع من الفرح الذي في القلب ومن الزينة والحياة التي في النفس وإذا حزن القلب ذلت النفس وانطلقت نار الشهوة وتعطلت الجوارح عن العمل وإذا فرح هاجت النفس وصارت قوية طرية وأثارت نار الشهوة واستعملت الجوارح فكل نار تستعمل الجارحة التي بحيالها فالفرح رأس أعمال الجوارح والعبد مغلوبه فإذا حيي القلب بفرح شئ من زينة تزيى بذلك النور الذي في قلبه فيصير ذلك الفرح لله ونطق بالحمد لله وأضمر على الطاعة والشكر ثم ينتشر سلطان ذلك الفرح من صدره في جميع جوارحه فيذهب كسله ويقوى عزمه وتطيب نفسه ويصير حامدا شاكرا وإن هاج الفرح بتلك الزينة من قلبه وكان قلبه محجوبا عند الله وصدره مظلما بغيوم الهوى ودخان الشهوة ورين الذنوب لم يبصر بعين فؤاده صنع الله في تلك الزينة فيصير الفرح للنفس والفرح بالدنيا فيظهر الفساد من الجوارح وتخرج السيئات من الجسد كل سيئة من معدنها من قلة الرحمة والمبالاة وظهرت الفظاظة واليبس والغلظة والقسوة ومداني الأخلاق حتى صارت الجوارح إلى الغش والمكر والخديعة وسوء النيات والمقاصد حتى خرج إلى الفرعنة والتجبر وكل على قدره يتنعمون بنعم الله ويتلذذون بتلك اللذات فرحا وأشرا وبطرا فبان أن الأمر كله أصله من الفرح فمن أمكنه صرفه إلى الله في كل عمل تنور قلبه وإلا وقع في الوبال فإن صرف ذلك لله لم يزد لربه إلا خشوعا وخضوعا وحياء فحمده ودعاه ذلك إلى شكره بجميع جوارحه وإقامة فرائضه ومن لم يمكنه ذلك سباه فرحه فصار سبيا من سبايا النفس وإذا نالت النفس الفرح كان كرجل متغلب وجد كنزا ففرقه في الغوغاء حتى صاروا أعوانه فخرج بتلك
(٧٣٤)