فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ٧٢٩
4274 (الدنيا دار من لا دار له) قال الطيبي: لما كان القصد الأول من الدار الإقامة مع عيش هنئ أبدي والدنيا بخلافه لم تستحق أن تسمى دارا فمن داره الدنيا فلا دار له * (وإن الدار الآخرة لهي الحيوا لو كانوا يعلمون) * قال عيسى: من ذا الذي يبني على الموج دارا تلكم الدار فلا تتخذوها قرارا (ومال من لا مال له) لأن القصد من المال الإنفاق في وجوه القرب فمن أتلفه في شهواته واستيفاء لذاته فحقيق بأن يقال لا مال له * (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * ولذلك قدم الظرف على عامله في قوله (ولها يجمع من لا عقل له) لغفلته عما يهمه في الآخرة ويراد منه في الدنيا والعاقل إنما يجمع للدار الآخرة * (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) * قال الحكيم: لا بد لبناء هذا الوجود أن تنهدم دعائمه وأن تسلب كرائمه، فالعاقل من كان بما هو أبقى أفرح منه بما هو أفنى وأنشد ابن أبي الدنيا:
يا فرقة الأحباب لا بد لي منك * ويا دار دنيا إنني راحل عنك ويا قصر الأيام ما لي وللمنى * ويا سكرات الموت ما لي وللضحك وما لي لا أبكي لنفسي بعبرة * إذا كنت لا أبكي لنفسي فمن يبكي ألا أي حي ليس بالموت موقنا * وأي يقين منه أشبه بالشك (حم هب عن عائشة هب عن ابن مسعود موقوفا) قال المنذري والحافظ العراقي: إسناده جيد وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير دويل وهو ثقة.
4275 (الدنيا) أي الحياة الدنيا (سجن المؤمن) بالنسبة لما أعد له في الآخرة من النعيم المقيم (وجنة الكافر) بالنسبة لما أمامه من عذاب الجحيم وعما قريب يحصل في السجن المستدام نسأل الله السلام يوم القيامة وقيل المؤمن صرف نفسه عن لذاتها فكأنه في السجن لمنع الملاذ عنه والكافر سرحها في الشهوات فهي له كالجنة قال السهروردي: والسجن والخروج منه يتعاقبان على قلب المؤمن على توالي الساعات ومرور الأوقات لأن النفس كلما ظهرت صفاتها أظلم الوقت على القلب حتى ضاق وانكمد وهل السجن إلا تضييق وحجر من الخروج؟ فكلما هم القلب بالتبري عن مشائم الأهواء الدنيوية والتخلص عن قيود الشهوات العاجلة تشهيا إلى الآجلة وتنزها في فضاء الملكوت ومشاهدة للجمال الأزلي حجزه الشيطان المردود من هذا الباب المطرود بالاحتجاب فتدلى بحبل النفس الأمارة إليه فكدر صفو العيش عليه وحال بينه وبين محبوب طبعه وهذا من أعظم السجون وأضيقها فإن من حيل بينه
(٧٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 724 725 726 727 728 729 730 731 732 733 734 ... » »»
الفهرست