نسيم رحمته والأرض تدل على تمام حكمته والأنهار تفجرت بعذوبة كلمته والأشجار تخبر بجميل صنعته (ولا تفكروا في الله فتهلكوا) لأن للعقول كما قال ابن عربي: حد اتفق عنده من حيث هي مفكر وآية مناسبة بين الحق الواجب الوجود لذاته وبين الممكن وإن كان واجبا به عند من يقول به وما أخذه الفكر به إنما يقوم صحيحه من البراهين الوجودية ولا بد بين الدليل والمدلول والبرهان والمبرهن عليه من وجه به يكون التعلق له نسبة إلى الدليل ونسبة إلى المدلول فلا يصح أن يجتمع الخلق والحق في وجه أبدا من حيث الذات بل من حيث إن هذه الذات منعوتة بالألوهية فهذا حكم آخر يستقل العقول بإدراكه وكم من عاقل يدعي العقل الرصين من العلماء النظار يقول: إنه حصل على مفرقة الذات من حيث النظر الفكري وهو غالط لتردده بفكره بين السلب والإثبات راجع إلى الوجود والسلب إلى العدم والنفي لا يكون صفة ذاتية لأن الصفات الذاتية للموجودات إنما هي ثبوتية فما حصل هذا المفكر المتردد بينهما من العلم بالله على شئ (أبو الشيخ) في العظمة (عن أبي ذر) الغفاري.
3348 (تفكروا في آلاء الله) أي أنعمه التي أنعم بها عليكم قال القاضي: والتفكر فيها أفضل العبادات (ولا تفكروا في الله) فإن العقول تحير فيه فلا يطيق مد البصر إليه إلا الصديقون ثم لا يطيقون دوام النظر بل سائر الخلق أحوال أبصارهم بالإضافة إلى جلاله كبصر الخفاش بالإضافة إلى الشمس فلا يطيقه البتة نهارا ويتردد ليلا لينظر في بقية نور الشمس فحال الصديقين كحال الإنسان في النظر إلى الشمس فإنه يقدر على نظرها ولا يطيق دوامه فإنه يفرق البصر ويورث الدهش فكذا النظر إلى ذات الله يورث الحيرة والدهش واضطراب العقل فالصواب أن لا يتعرض لمجاري الفكر في ذاته وصفاته لأن أكثر العقول لا تحتمله. (تنبيه) قال الراغب: نبه بهذا الخبر على أن غاية معرفة الإنسان ربه أن يعرف أجناس الموجودات جواهرها وأعراضها المحسوسة والمعقولة ويعرف أثر الصنعة فيها وأنها محدثة وأن محدثها ليس إياها ولا مثلا لها بل هو الذي يصح ارتفاع كلها بعد بقائه ولا يصح بقاؤها وارتفاعه ولما كان معرفة العالم كله يصعب على المكلف لقصور الأفهام عن بعضها واشتغال البعض بالضروريات جعل تعالى لكل إنسان من نفسه وبدنه عالما صغيرا أوجد فيه مثال كل ما هو موجود في العالم الكبير ليجري ذلك من العالم مجرى مختصر عن كتاب بسيط يكون مع كل أحد نسخة يتأملها حضرا وسفرا وليلا ونهارا فإن نشط وتفرغ للتوسع في العلم نظر في الكتاب الكبير الذي هو العالم فيطلع منه على الملكوت ليقرر علمه وإلا فله مقنع بالمختصر وفي أنفسكم أفلا تبصرون) (أبو الشيخ) في العظمة (طس عد هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال البيهقي: هذا إسناد فيه نظر قال الحافظ العراقي: قلت فيه الوزاع بن نافع متروك.