فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٣٧
1467 - (اللهم زدنا) من خير الدارين: أي من العلوم والمعارف (ولا تنقصنا) أي لا تذهب منا شيئا (وأكرمنا) بالتقوى (ولا تهنا) أصله تهوننا نقلت كسرة الواو للهاء وحذفت الواو لسكونها وسكون النون الأولى وأدغمت الأولى في الثانية (وأعطنا ولا تحرمنا) قال القاضي والطيبي: عطف الأوامر على النواهي تأكيدا ومبالغة وتعميما وحذف ثواني المفعولات في بعض الألفاظ إرادة لإجرائها مجرى: فلان يعطي ويمنع مبالغة (وآثرنا) بالمد اخترنا بعنايتك وإكرامك (ولا تؤثر) تختر (علينا) غيرنا فتعزه وتذلنا: يعني لا تغلب علينا أعداءنا (وأرضنا) بما قضيت لنا أو علينا بإعطاء الصبر والتحمل والقنع بما قسمت لنا من الرزق، وذلك أن الله دبر لعبده قبل أن يخلقه شأنه من الرزق والأحوال والآثار، وكل ذلك مقدر مؤقت يبرزه له في وقته كما قدره والعبد ذو شهوات وقد اعتادها وتخلق بها ودبر الله لعبده غير ما تخلق به من الشهوات فمرة سقم ومرة صحة ومرة غنى ومرة فقر وعسر وذل ومكروه ومحبوب، فأحوال الدنيا تتداوله لا ينفك عن قضائه والعبد يريد ما وافقه واشتهاه، وتدبير الله فيه غير ذلك، فإذا رزق العبد الرضا بالقضاء استقام قلبه فترك جميع إرادته لمشيئة الله ينتظر ما يبرز له من تدبيره في جميع أحواله فيتلقاه بانشراح قلب وطيب نفس فيصير راضيا مرضيا، والمصطفى صلى الله عليه وسلم أعظم من رزق الرضا وليس للشهوات ولا للشيطان عليه سلطان وإنما ذكر ذلك على طريق الإرشاد والتعليم للأمة، وقال الطيبي: ويلوح من هذا الدعاء تباشير الإرادة والاستبشار والفوز بالمباغي ونيل الفلاح في الدنيا والعقبى. ولعمري إنه من جوامع الكلم (وارض عنا) بما نقيم من الطاعة القليلة التي في جهدنا. قال بعض الأكابر: من أيقن بحسن اختيار الله له لم يسره أن يكون على غير الحال التي هو عليها فكل راض مرضي عنه فاقتضت هذه السنة العلمية مضمون قوله تقدس * (ارجعي إلى ربك راضية مرضية) * [الفجر: 28] فمن رجعت إلى ربه معرفته وذهبت نكرته اطمئن في الأوقات وغم في مقاومة مقابلاتها الرضى واستقر في جنته وقته فكان هذا حاله عاجلا وذاك خطابه آجلا، وقال الراغب: منزلة الرضى أشرف المنازل بعد النبوة، فمن رضي عن الله فقد رضي الله عنه لقوله تعالى:
* (رضي الله عنهم ورضوا عنه) * [المائدة: 119] فجعل أحد الرضاءين مقرونا بالآخر، فمن بلغ هذه المنزلة فقد عرف خساسة الدنيا واطلع على جنة المأوى وخطب مودة الملأ الأعلى وحظي بتحيتهم المعينة بقوله * (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) * [الرعد: 23] (ت ك) في الدعاء (عن عمر) بن الخطاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدوي النحل فنزل عليه فمكثنا ساعة فسري عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه فذكره، صححه الحاكم.
1468 - (اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع) لذكر الله سبحانه ولا لاستماع كلامه وهو القلب القاسي الذي هو أبعد القلوب من حضرة علام الغيوب (ومن دعاء لا يسمع) أي لا يستجاب ولا يعتد
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»