فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٥٦٦
عادل خير من مطر وابل، وسلطان غشوم خير من فتنة تدوم، وزلة الرجل عظم يجبر، وزلة اللسان لا تبقى ولا تذر، يا بني: استراح من لا عقل له، فأرسلها مثلا اه‍، وفي قوله، في الأرض: إشارة إلى أن الإمام الأعظم لا يكون في الأرض كلها إلا واحدا، ولهذا قال في حديث آخر: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما (هب عن أنس) بن مالك وفيه الربيع ابن صبيح قال الذهبي ضعيف، ومن ثم أطلق السخاوي على الحديث الضعف.
858 - (إذا مررتم بأهل الشرة) بكسر المعجمة وشد الراء: أي بأهل النشاط في الشر (فسلموا عليهم) ندبا (تطفأ) بمثناة فوق أوله بضبط المؤلف أي فإنكم إن سلمتم عليهم تخمد (عنكم شرتهم وثائرتهم) أي عداوتهم وفتنتهم والنائرة العداوة والشحناء كما في الصحاح مشتقة من النار، وفيه سعى في إطفاء النائرة. أي تسكين الفتنة: وذلك لأن السلام أمان فإذا سلمت وردوا فبردهم حصل الأمان منهم، ولأن السلام عليهم يؤذن بعدم احتقارهم فيكون سببا لسكون شرتهم قال لقمان:
يا بني إذا مررت بقوم فارمهم بسهام السلام، لكن ينبغي مع ذلك الحذر من مخالطتهم والتلطف في مجانبتهم. قال الجنيد: دخلت على السري وهو يجود بنفسه فجلست وبكيت فسقطت دموعي على خده ففتح عينيه ونظر إلي. فقلت: أوصني قال: لا تصحب الأشرار، ولا تشتغل عن الله بمخالطة الأخيار (هب عن أنس) قال شكا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إليه فقالوا: إن المنافقين يلحظوننا بأعينهم، ويلفظوننا بألسنتهم فذكره. وفيه أبان ابن أبي عياش، قال الكاشف: قال أحمد: متروك، وفي الميزان عن شعبة: لأن يزني الرجل خير من أن يروي عنه ما لا أصل له.
859 - (إذا مررتم برياض الجنة) جمع روضة وهي الموضع المعجب بالزهر سميت به لاستراضة الماء السائل إليها (فارتعوا) أي ارتعوا كيف شئتم وتوسعوا في اقتناص الفوائد (قالوا) أي الصحابة أي بعضهم (وما رياض الجنة) أي ما المراد بها (قال حلق الذكر) بكسر ففتح جمع حلقة بفتح فسكون وهي جماعة من الناس يستديرون لحلقة الباب وغيره والتحلق تفعل منها وهو أن يتعمد ذلك، قال الطيبي:
أراد بالذكر التسبيح والتحميد، وشبه الخوض فيه بالرتع في الخصب وذلك لأن أفضل ما أعطاه الله لعباده في الدنيا الذكر وأفضل ما أعطاهم في العقبى النظر إليه سبحانه. فذكر الله في الدنيا كالنظر إليه في الآخرة فالذاكر له بلسانه مع حضور قلبه مشاهد له بسره ناظر إليه بفؤاده ماثل بن يديه ببدنه فكأنه في الجنة يرتع في رياض قال النووي: كما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله وقد تظاهرت على ذلك الأدلة (حم ت هب عن أنس) قال الترمذي حسن غريب اه‍. وتبعه المصنف فرمز لحسنه.
(٥٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 561 562 563 564 565 566 567 568 569 570 571 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة