فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٥٦٥
العمل الصالح المؤدي لزيادة إيمانه ورسوخ إبقائه، أما من ليس بهذه الصفة فالمدح عليه من أعظم الآفات المفضية بإيمانه إلى الخلل الذي ورد فيه خبر: إياكم والمدح (تتمة) قال في الحكم: المؤمن إذا مدح استحيا من الله أن يثني عليه بوصف لا يشهد من نفسه، وأجهل الناس من ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس والزهاد إذا مدحوا انقبضوا لشهودهم الثناء من الخلق، والعارفون إذا مدحوا انبسطوا لشهودهم ذلك من الملك الحق (طب ك عن أسامة بن زيد) قال العراقي: سنده ضعيف.
856 - (إذا مدح الفاسق) أي الخارج عن العدل والخبر وحسن زيادة الخلق والحق لأن الفسق خروج عن محيط كالكمام للثمرة والجحر للفأرة ذكره الحراني (غضب الرب) لأنه أمر بمجانبته وإبعاده فمن مدحه فقد وصل ما أمر الله به أن يقطع وواد من حاد الله مع ما في مدحه من تغرير من لا يعرف حاله وتزكية من ليس لها بأهل، والإشعار باستحسان فسقه، وإغرائه على إقامته. وظاهر الحديث يشمل ما لو مدحه بما فيه كسخاء وشجاعة ولعله غير مراد (واهتز) أي تحرك (لذلك) أي لغضب الرب (العرش) واهتزازه عبارة عن أمر عظيم وداهية دهياء وذلك لأن فيه رضا بما فيه سخط الله وغضبه، بل يكاد يكون كفرا، لأنه ربما يفضي إلى استحلال ما حرم الله وهذا هو الداء العضال لأكثر العلماء والشعراء والقراء في زماننا، وإذا كان هذا حكم مدح الفاسق فكيف بمن يمدح الظالم ويركن إليه وقد قال تعالى * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) * قال الزمخشري:
النهي متناول للانخراط في هواهم والانقطاع إليهم ومصاحبتهم والرضا بأعمالهم والنسبة إليهم والتزيي بزيهم (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب ذم الغيبة (هب) من حديث أبي خلف (عن أنس) وأبو خلف هذا قال الذهبي قال يحيى كذاب، وقال أبو حاتم منكر الحديث، وقال ابن حجر في الفتح سنده ضعيف (عد عن بريدة) قال العراقي: وسنده ضعيف، وفي الميزان خبر منكر.
857 - (إذا مررت) من المرور (ببلدة) في حال سيرك (ليس فيها سلطان) أي حاكم وأصل السلطنة القوة ومنه السلاطة لحدة اللسان (فلا تدخلها) فإنها مظنة البغي والعدوان والتهارج ومن بغي عليه فيها لم يجد ناصرا وإذا نهى عن مجرد الدخول فالسكنى أولى وعلله بقوله (إنما السلطان) أي الحاكم (ظل الله) أي يدفع به الأذى عن الناس كما يدفع الظل أذى حر الشمس (ورمحه في الأرض) أي يدفع به ويمنع كما يدفع العدو بالرمح، وقد استوعب بهاتين الكلمتين نوعي ما عليه الوالي لرعيته:
أحدهما الانتصار من الظالم لأن الظل يلجأ إليه من الحر والشدة والثاني إرعاب العدو ليرتدع عن أذى الرعية فيأمنوا بمكانه من الشر، والعرب تكنى بالرمح عن الدفع والمنع، قال الماوردي: وبالسلطان حراسة الدين والذب عنه ودفع الأهواء عنه، وروى الطبراني أن عمرو بن العاص قال لابنه: سلطان
(٥٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 560 561 562 563 564 565 566 567 568 569 570 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة