وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أشفق على أمته من الوالدة بولدها ولم يدع شفقته دينية ولا دنيوية إلا أرشد إليها قال النووي رحمه الله وفيه جمل من أنواع الخير وآداب جامعة جماعها تسمية الله في كل فعل وحركة وسكون لتصل السلامة من آفات الدارين. وقال القرطبي:
تضمن هذا الحديث أن الله أطلع نبيه على ما يكون في هذه الأوقات من المضار من جهة الشياطين والفأر والوباء وقد أرشد إلى ما يتقي به ذلك فليبادر إلى فعل تلك الأمور ذاكرا لله ممتثلا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم شاكرا لنصحه فمن فعل لم يصبه من ذلك ضرر بحول الله وقوته. وفيه رد علي من كره غلق الباب من الصوفية وقال الصوفية يفتحون ولا يغلقون.
(حم ق دن عن جابر).
806 - (إذا كان يوم صوم أحدكم) فرضا أو نفلا (فلا يرفث) مثلث الفاء أي لا يتكلم بفحش قال أبو زرعة ويطلق في غير هذا المحل على الجماع ومقدماته وعلى ذكره مع النساء ومطلقا (ولا يجهل) أي لا يفعل خلاف الصواب من قول أو فعل فهو أعم مما قبله أو لا يعمل بخلاف ما يقتضيه العلم أو لا يقل قول أهل الجهل والمراد أن ذلك في الصوم آكد وإن كان منهيا عنه في غيره أيضا (فإن امرؤ شاتمه) أي شتمه امرؤ متعرضا لمشاتمته (أو قاتله) أي دافعه ونازعه أو لاعنه متعرضا لمثل ذلك منه فالمفاعلة حاصلة في الجملة (فليقل) بلسانه (إني صائم) أي عن مكافأتك أو عن فعل مالا يرضاه من أصوم له بحيث يسمعه الصائم وجمعه بين اللسان والجنان أولى فيذكر نفسه بإحضاره صيامه بقلبه ليكف نفسه وينطق بلسانه لينكف عنه خصمه، قال ابن القيم: أرشد إلى تعديل قوى الشهوة والغضب وأن على الصائم أن يحتمي من إفسادهما لصومه فهذه تفسد صومه وهذه تحبط أجره (مالك) في الموطأ (ق د ه عن أبي هريرة) الدوسي رضي الله عنه.
807 - (إذا كان آخر) في رواية آخر (الزمان) عند نجوم الكذابين وظهور المبتدعين وانتشار الدجالين (واختلفت الأهواء) جمع هوى مقصور هوى النفس أي هوى أهل البدع (فعليكم بدين أهل البادية والنساء) أي الزموا اعتقادهم واجروا على مناهجهم من تلقي أصل الأيمان وظاهر الاعتقاد بطريق التقليد والاشتغال بأعمال الخير فإن الخطر في العدول عن ذلك كبير ذكره الغزالي ومن لم يسمع اختلاف المذاهب وتضليل أهلها بعضهم لبعض كان أمره أهون ممن سمع منها وهو حائم لا يشخص به طلب التمييز بين الحق والباطل ولهذا كان الإمام الرازي فيما نقله ابن حجر مع تبحره في الأصول يقول من التزم دين العجائز فهو الفائز. وقال السمعاني في الذيل عن الهمداني قال سمعت أبا المعالي يعني إمام الحرمين يقول قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الطاهرة وركبت البحر الخضم وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه كل ذلك في طلب