فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٤٠
بسم الله الرحمن الرحيم 1 - (إنما الأعمال بالنيات) أي إنما هي مرتبطة بها ارتباط الأشياء العلوية الملكية بالأسرار المكنونية. قال النووي في بستانه: قال العلماء من أهل اللغة والفقه والأصول: " إنما " لفظة موضوعة للحصر تفيد إثبات المذكور وتنفي ما سواه. وقال الكرماني والبرماوي وأبو زرعة: التركيب مفيد للحصر باتفاق المحققين وإنما اختلف في وجه الحصر فقيل دلالة إنما عليه بالمنطوق أو المفهوم على الخلاف المعروف. وقيل عموم المبتدأ باللام وخصوص خبره أي كل الأعمال بالنيات، فلو صح عمل بغير نية لم تصدق هذه الكلية. " والأعمال " جمع عمل وهو حركة البدن فيشمل القول ويتجوز به عن حركة النفس والمراد هنا عمل الجوارح وإلا لشمل النية، إذ هي عمل القلب فتفتقر لنية فيتسلسل.
وأل للعهد الذهني أي غير العادية إذ لا تتوقف صحتها على نية وجعلها جمع متقدمون للاستغراق وعليه فلا يرد العادي أيضا فإنه وإن كان القصد وجود صورته لكن بالنسبة لمزيد الثواب يحتاجها.
" والنيات " بشد المثناة تحت: جمع نية. قال النووي: وهي القصد وهي عزيمة القلب، ورده الكرماني بأنه ليس عزيمة للقلب لقول المتكلمين: القصد إلى الفعل هو ما نجده من أنفسنا حال الإيجاد والعزم قد يتقدم عليه ويقبل الشدة والضعف بخلاف القصد ففرقوا بينهما من جهتين فلا يصح تفسيره به.
وقال القاضي البيضاوي: هي انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا والشرع خصها بالإرادة والتوجه نحو الفعل ابتغاء لوجه الله تعالى وامتثالا لحكمه. والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليحسن تطبيقه على ما بعده وتقسيمه إلى من كانت هجرته إلى كذا وكذا فإنه تفصيل لما أجمله واستنباط للمقصود عما أصله. قال: وهذا اللفظ متروك الظاهر لأن الذوات غير منتفية إذ تقدير إنما الأعمال بالنيات لا عمل إلا بنية. والغرض أن ذات العمل الخالي عن النية موجود فالمراد نفي أحكامها كالصحة والفضيلة والحمل على نفي الصحة أولى لأنه أشبه بنفي الشئ بنفسه ولأن اللفظ يدل بالصريح على نفي الذوات وبالتبع على نفي جميع الصفات انتهى. قال ابن حجر: وهو في غاية الجودة والتحقيق ولا شك أن الصحة أكثر لزوما للحقيقة فلا يصح عمل بلا نية كالوضوء عند الثلاثة خلافا للحنفية ولا نسلم أن الماء يطهر بطبعه والتيمم خلافا للأوزاعي إلا بنية. قال بعض الحنفية: الحق أن الدليل قائم على اعتبار النية في جميع العبادات لقوله تعالى * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * والإخلاص هو النية وهو جعله بنفسه متلبسا بحال من أحوال العابدين والأحوال شروط انتهى. على أن تقديرهم الكمال لا يخلو من مقال لأنهم يشترطون النية في المقاصد ومحل عدم اعتبارها عندهم إنما هو في الوسائل فحسب وإنما لم تشترط النية في إزالة
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة