فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٣٨
أحد الحفاظ الأعيان وأحد الجهابذة الذين طافوا البلاد وهجروا الوساد، وواصلوا السهاد، وقطعوا المعتاد، طالبين للعلم، لا يعترى هممهم قصور ولا يثني عزمهم عظائم الأمور وقواطع الدهور، روى عن الجمحي وغيره، وعنه أبو حامد الأسفرايني وأبو سعيد الماليني، قال البيهقي حافظ متقن لم يكن في زمنه مثله. وقال ابن عساكر: ثقة على لحن فيه، مات سنة خمس وستين وثلاثمائة عن ثمان وثمانين سنة (في) كتاب (الكامل) أي في كتابه المسمى بالكامل الذي ألفه في معرفة الضعفاء، وهو أصل من الأصول المعول عليها والمرجوع إليها، طابق اسمه معناه ووافق لفظه فحواه، من عينه انتجع المنتجعون، وبشهادته حكم الحاكمون، وإلى ما قاله رجع المتقدمون والمتأخرون. (عق للعقيلي) في كتابه الذي صنفه (في الضعفاء) أي في بيان حال رجال الحديث الضعفاء جمع ضعيف والضعيف بفتح الضاد في لغة تميم وبضمها في لغة قريش خلاف القوة والصحة. (خط للخطيب) الحافظ أحمد بن علي بن ثابت أبو بكر البغدادي الفقيه الشافعي أحد الأعلام الحفاظ، ومهرة الحديث، له نحو خمسين مؤلفا، ولد سنة ثنتين وتسعين وثلائمائة، وسمع خلائق لا يحصون، وأخذ الفقه عن المحاملي وأبي الطيب. وقال ابن السمعاني: كان مهابا موقرا ثقة حجة حسن الخط كثير الضبط فصيحا ختم به الحفاظ، له ثروة ظاهرة، وصدقات طائلة، مات سنة ثلاث وستين وأربعمائة ببغداد وحمل جنازته صاحب المهذب، ودفن بجانب بشر الحافي. وكان شرب ماء زمزم لذلك وأن يحدث بتاريخه بجامع بغداد وأن يملي بجامع المنصور فاستجيب له، وكان سريع القراءة جدا، قرأ البخاري على كريمة المروزية في خمسة أيام وسمع علي إسماعيل الضرير البخاري في ثلاث مجالس، وله نظم حسن منه:
الشمس تشبهه والبدر يحكيه * والدر يضحك والمرجان من فيه ومن سرى وظلام الليل معتكر * فوجهه عن ضياء البدر يغنيه (فإن كان) الحديث الذي أعزوه إليه (في التاريخ) بغداد المشهور (أطلقت) العزو إليه (وإلا) بأن كان في غيره من تآليفه المشتهرة المنتشرة (بينته) بأن أعين الكتاب الذي هو فيه وقال الحضرمي وغيره: ولعمري إن تاريخه من المصنفات التي سارت ألقابها بخلاف مضمونها، سماه: " تاريخ بغداد " وهو تاريخ العالم كالأغاني للأصبهاني سماه: " الأغاني " وفيه من كل شئ، و (أسأل الله) لا غيره كما يؤذن به تقديم المعمول كما في: " إياك نعبد " (أن يمن) أي ينعم علي (بقبوله) مني بأن يثيبني عليه في الآخرة، إذ لا معول إلا علي نفعها (وأن يجعلنا) أتى بنون العظمة مع أن المقام مقام تعجيز وإظهار افتقار، إظهارا لملزومها الذي هو نعمة من تعظيم الله تعالى له بتأهيله للعلم امتثالا لقوله تعالى: " وأما بنعمة ربك فحدث " أولا للتواضع والإشارة إلى أن ذلك الجعل لا يكون له وحده بل مع إخوانه من الأفاضل أشار إليه التفتازاني ونازعه الشريف (عنده) عندية إعظام وإكرام لا عندية مكان، تعالى الله عن ذلك (من حزبه) بكسر الحاء أي من خاصته وجنده يقال حزب قومه فتحزبوا أي صاروا طرائف وفلانا يحازب فلانا ينصره ويعاضده ذكره الزمخشري (المفلحين) أي
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة