فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٣٣٥
مستمعة لما ينفعه في الآخرة مقبلة على ما يسمعه من ذكر الله متأملة لنصوص كلامه مصغية لأوامره وزواجره وأحكامه (وعينه) أي عين قلبه (بصيرة) فيبصر بها ما جاء من الشارع ويتنبأ ويفهم وإن لم يفهم فانهتك عن قلبه ستر الغيوب فشهد الخير عيانا ولزم طريق الكتاب والسنة إيقانا ولم يلتبس عليه المنهاج الواضح المستبين فصار من المهتدين وخص هذه الجوارح بالذكر لأن منها يكون الخير والشر وعليها مدار النفع والضر. قال في الكشاف: والبصر نور العين وهو ما يبصر به المرئيات كما أن البصيرة نور القلب وهو ما يستبصر ويتأمل فكأنهما جوهران لطيفان خلقهما الله تعالى آلتين للإبصار وللاستبصار انتهى. وقال الراغب: البصر يقال للجارحة الباصرة والقوة التي فيها ويقال لقوة القلب المدركة بصيرة وبصر والضرير يقال له بصير لما له من قوة بصيرة القلب لا لما قيل إنه على العكس وقال بعض أهل الوفاء البصيرة فقه القلب في حل أشكال مسائل الخلاف فيما لا يتعلق العلم به تعلق القطع وحقيقتها نور يقذف في القلب يستدل به العقل الخابط عشواء على سبيل الإصابة وعين البصيرة أتم في النظر من عين البصر لأن جميع ما حواه العالم تتصرف في جميعه والحكم عليه حكما يقينا صادقا والعين لا تبصر ما بعد ولا ما قرب قربا مفرطا ومن ثم قال الغزالي: العقل متصرف في العرش والكرسي وما وراء السماوات والملأ الأعلى كتصرفه في عالمه ومملكته القريبة أعني بدنه الخاص بل الحقائق كلها لا تحتجب عن العقل وإنما حجابه بسبب صفات تقارنه من نفسه تضاهي حجاب العين عند تغميض الأجفان انتهى. وقد انكشف من هذا البيان أن علامة إرادة الله الخير بعبده أن يتولى أمره ظاهره وباطنه سره وعلنه فيكون هو المشير عليه والمدبر لأمره والمزين لأخلاقه والمستعمل لجوارحه والمسدد لظاهره وباطنه والجاعل همومه هما واحدا والمبغض للدنيا في قلبه والموحش له من غيره والمؤنس له بلذة مناجاته في خلواته والكاشف عن الحجب بينه وبين معرفته فذلك من علامات حب الله لعبده (فائدة) قال الشبلي: استنار قلبي يوما فشهدت ملكوت السماوات والأرض فوقعت مني هفوة فحجبت عن شهود ذلك فعجبت كيف حجبني هذا الأمر الصغير عن هذا الأمر الكبير فقيل لي: البصيرة كالبصر أدنى شئ يحل فيها يعطل النظر (أبو الشيخ [ابن حبان]) في الثواب (عن أبي ذر) وفيه سعيد بن إبراهيم قال الذهبي مجهول عن عبد الله بن رجاء قال أبو حاتم ثقة وقال الفلاس كثير الغلط والتصحيف ليس بحجة عن سرجس بن الحكم بن عامر بن وائل قال ابن خزيمة أنا أبرأ من عهدتهما.
388 - (إذا أراد الله بأهل بيت خيرا) نكره لإفادة التعميم أي إذا أراد جميع الخير والمقام يقتضيه (فقههم في الدين) أي جعلهم فقهاء فيه والفقه لفة الفهم أو لما دق وعرفا العلم بالأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد وقيل معرفة النفس ما لها وعليها عملا، قال الكرماني: والأنسب هنا المعنى اللغوي ليشمل فهم كل علم من علوم الدين. وقال الغزالي: أراد فهمهم أمره ونهيه بنور رباني يقذفه في قلوبهم (ووقر) بشد القاف عظم ويجل (صغيرهم كبيرهم) في السن أو المراد بالكبير العالم وبالصغير غيره أي
(٣٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة