فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٣٣٤
387 - (إذا أراد الله بعبد خيرا فتح) بالتحريك (له قفل قلبه) بضم القاف وسكون الفاء أي أزال عن قلبه حجب الأشكال وبصر بصيرته مراتب أهل الكمال حتى يصير قابلا للفيض السبحاني مستمدا للإمداد الرحماني فإذا هبت رياح الألطاف انكشفت الحجب عن أعين القلوب وفاضت الرحمة وأشرق النور وانشرح الصدر وانكشف للقلب سر الملكوت بلطف الرحمة انكشاف الحجب يلمع القلب من وراء ستر الغيب غرائب العلوم تارة كالبرق الخاطف وأخرى على التوالي إلى حد ما وداومه في غاية الندور وتعلق جمع صوفية منهم البوني بإناطة ذلك بمجرد الإرادة على أنه لا يحصل بالعلوم التعليمية قالوا لا طريق إلا الاستعداد بالتصفية المجردة ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق واحضار الهمة مع الإرادة الصادقة والتعطش التام والترصد بدوام الانتظار لما يفتح الله إذ الأنبياء والأولياء انكشفت لهم الأمور وفاض على صدورهم النور لا بالدراسة للكتب بل بالزهد في الدنيا والتبري من علائقها والتفرغ من عوائقها والإقبال بكنه الهمة على الله فمن كان لله كان الله تعالى له انتهى ونوزع بما حاصله أن تقديم تعلم الأحكام متعين معين وأجاب الغزالي رحمه الله تعالى بأن القرآن مصرح بأن التقوى مفتاح الهداية والكشف وذلك علم من غير تعلم وأصل الفتح زوال الإشكال والغلق صورة أو معنى والقفل واحد الأقفال (وجعل فيه) أي في قلبه (اليقين) أي العلم المتوالي بسبب النظر في المخلوقات أو ارتفاع الريب ومشهد الغيب وقد وصف الله المؤمنين بالإيمان بالغيب والإيمان التصديق وإنما يصدق المرء الشئ حتى يتقرر عنده فيصير كالمشاهد والمشاهدة بالقلب هو اليقين. قال الخواص رحمه الله تعالى: لقيت شابا بالبادية كأنه سبيكة فضة فقلت إلى أين قال إلى مكة قلت بلا زاد ولا راحلة قال يا ضعيف اليقين الذي يقدر على حفظ السماوات والأرض لا يقدر أن يوصلني إلى مكة بلا علاقة؟ (والصدق) أي التصديق الدائم الجازم الذي ينشأ عنه دوام العمل، والصدق وإن شاع في خصوص الأقوال لكن يستعمل في بعض الموارد في بعض الأحوال كما بينه أهل الكمال ومن لم يبصر الخير بقلبه ويصدق به لم يتيقنه وإن صدق بلسانه بل هو في عماء وحيرة (وجعل قلبه واعيا) أي حافظا (لما سلك) أي دخل فيه حتى ينجع (فيه) الوعظ القليل والنصيحة اليسيرة والوعي الحفظ يقال وعيت الحديث حفظته وتدبرته (وجعل قلبه سليما) من الأمراض كحسد وحقد وكبر وغيرها (ولسانه صادقا) لتعظيم حرمته وتظهر ملاحته إذ اللسان الصادق من أعظم المواهب الربانية وبه يستقيم حال العبد في أحواله الدينية والدنيوية. قال الحراني: والصدق مطابقة ظاهر النطق والفعل بباطن الحال (وخليقته) سجيته وطبيعته مستقيمة معتدلة متوسطة بين طرفي الإفراط والتفريط والاستقامة كون الخط بحيث ينطق أجزاؤه المفروضة بعضها على بعض وفي إصلاح أهل الحقيقة الوفاء بالعهود وملازمة الطريق المستقيم برعاية حق التوسط في كل أمر ديني ودنيوي فذلك هو الصراط المستقيم (وجعل أذنه سميعة) صيغة مبالغة أي
(٣٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة