فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٣١٧
جميعا فإنهما يطلبانه عند سؤال عبده بالإجابة فإذا دعا قالت الملائكة صوت معروف وقال جبريل يا رب اقض حاجته فيقول دعوا عبدي فإني أحب أن أسمع صوته كذا جاء في خبر. قال الغزالي: ولهذا تراه يكثر ابتلاء أوليائه وأصفيائه الذين هم أعز عباده وإذا رأيت الله عز وجل يحبس عنك الدنيا ويكثر عليك الشدائد والبلوى فاعلم أنك عزيز عنده وأنك عنده بمكان يسلك بك طريق أوليائه وأصفيائه فإنه يراك ولا يحتاج إلى ذلك، أما تسمع إلى قوله تعالى * (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) * بل اعرف منته عليك فيما يحفظ عليك من صلاتك وصلاحك ويكثر من أجورك وثوابك وينزلك منازل الأبرار والأخيار والأعزة عنده (تنبيه) قال العارف الجيلاني التلذذ بالبلاء من مقامات العارفين لكن لا يعطيه الله لعبد إلا بعد بذل الجهد في مرضاته فإن البلاء يكون تارة في مقابلة جريمة وتارة تكفيرا وتارة رفع درجات وتبليغا للمنازل العلية ولكل منها علامة فعلامة الأول عدم الصبر عند البلاء وكثرة الجزع والشكوى للخلق وعلامة الثاني الصبر وعدم الشكوى والجزع وخفة الطاعة على بدنه وعلامة الثالث الرضا والطمأنينة وخفة العمل على البدن والقلب (هب فر عن أبي هريرة هب عن ابن مسعود) عبد الله (وكردوس) بضم الكاف وآخره مهملة (موقوفا عليهما) لم يرمز له بشي ووهم من زعم أنه رمز لضعفه وأنه كذلك. قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى إنه يتقوى بعدد طرقه.
354 - (إذا أحب الله قوما ابتلاهم) بأنواع البلايا حتى يمحصهم من الذنوب ويفرغ قلوبهم من الشغل بالدنيا غيرة منه عليهم أن يقعوا فيما يضرهم في الآخرة وجميع ما يبتليهم به من ضنك المعيشة وكدر الدنيا وتسليط أهلها ليشهد صدقهم معه وصبرهم في المجاهدة قال * (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) * (طس) وكذا في الكبير (هب والضياء) المقدسي (عن أنس) قال الهيتمي: رجال الطبراني موثقون سوى شيخه انتهى وله طريق آخر فيها النعمان ابن عدي متهم ومن طريقه أورده ابن الجوزي وحكم بوضعه ورواه أحمد عن محمود بن لبيد وزاد فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع. قال المنذري: رواته ثقات ولعل المؤلف أغفله سهوا.
355 - (إذا أحب الله عبدا حماه) أي حفظه من متاع (الدنيا) أي حال بينه وبين نعيمها وشهواتها ووقاه أن يتلوث بزهرتها لئلا يمرض قلبه بها وبمحبتها وممارستها ويألفها ويكره الآخرة (كما يحمي) أي يمنع (أحدكم سقيمه الماء) أي شربه إذا كان يضره، وللماء حالة مشهورة في الحماية عند الأطباء بل هو منهي عنه للصحيح أيضا إلا بأقل ممكن فإنه يبلد الخاطر ويضعف المعدة ولذلك أمروا بالتقليل منه وحموا المريض عنه فهو جل اسمه يذود من أحبه عنها حتى لا يتدنس بها وبقذارتها ولا يشرق بغصصها، كيف وهي للكبار مؤذية وللعارفين شاغلة وللمريدين حائلة ولعامة المؤمنين قاطعة والله
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة