فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٣٢٨
الأكمل وانضمامها مع القدرة هو الاختيار (وإذا أراد الله بعبد شرا) أي خذلانا وهوانا (جعل صنائعه ومعروفه في غير أهل الحفاظ) أي جعل عطاياه وفعله الجميل في غير أهل الدين والأمانة وصرح بالثاني مع فهمه من الأول حثا للإنسان على أنه ينبغي له أن يقصد بمعروفه أهل المعروف ويتحرى إيقاعه فيهم قال بعض الحكماء والمصطنع إلى اللئيم كمن أعطى الخنزير درا وقرظ الكلب تبرا وألبس الحمار وشيا وألقم الحية شهدا وقال ابن غزية: خمسة أشياء ضائعة سراج في شمس وحسناء تزف لأعمى ومطر في سبخة وطعام قدم لشبعان وصنيعة عند من لا يشكرها، فينبغي للإنسان تحري اختيار المصرف حتى تقع العطية في المحل اللائق ويسلم من مخالفة الحكمة قال الشاعر:
إنما الجود أن تجود على من * هو للفضل والكرامة أهلا وقال المتنبي:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا * مضر كوضع السيف في موضع الندى (فر عن جابر) ورواه عنه أيضا ابن لآل وعنه في طريقه عنه خرجه الديلمي فلو عزاه له كان أولى ثم إن فيه خلف بن يحيى قال الذهبي عن أبي حاتم كذاب فمن زعم صحته فقد غلط.
376 - (إذا أراد الله بعبد خيرا جعل غناه في نفسه) أي جعله قانعا بالكفاف لئلا يتعب في طلب الزيادة وليس له إلا ما قدر له والنفس معدن الشهوات وشهواتها لا تنقطع فهي أبدا فقيرة لتراكم ظلمات الشهوات عليها فهي مفتونة بذلك وخلصت فتنتها إلى القلب فصار مفتونا فأصمته عن الله وأعمته لأن الشهوات ظلمة ذات رياح هفافة والريح إذا وقع في أذن أحد أصم والظلمة إذا وقعت في العين أعمت فلما صارت الشهوة من النفس إلى القلب حجبت النور فعميت وصمت فإذا أراد الله بعبد خيرا قذف في قلبه النور فأضاء ووجدت النفس لها حلاوة وروحا ولذة تلهي عن لذات الدنيا وشهواتها وتذهب مخاوفها وعجلتها وحرقتها وتلهبها فيطمئن القلب فيصير غنيا بالله والنفس جارة وشريكة ففي غنى الجار غنى وفي غنى الشريك غنى (وتقاه) بضم المثناة فوق وخفة القاف خوفه من ربه (في قلبه) بأن يقذف فيه نور اليقين فينخرق الحجاب ويضئ الصدر فذلك تقواه يتقي بها مساخط الله ويتقي بها حدوده. وبه يؤدي فرائض ربه وبه يخشاه فيصير ذلك النور وقايته (وإذا أراد الله بعبد شرا جعل فقره بين عينيه) كناية عن كونه يصير مستحضرا له أبدا ومشفقا من الوقوع فيه سرمدا فهو نصب عينيه على طول المدى فلا يزال فقير القلب حريصا على الدنيا متهافتا عليها منهمكا في تحصيلها وإن كان موسرا ممتد الطمع وإن طال الأمد فلا يزال بين طمع فارغ وأمل كاذب حتى توافيه المنية وهو على هذه الحالة الردية وذلك من علامات سوء الخاتمة، والإرادة نزوع النفس وميلها إلى الفعل بحيث تحملها عليه وتقال للقوة التي هي مبدأ النزوع والأول مع الفعل والثاني قبله وكلاهما لا يتصور اتصاف الباري
(٣٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة