فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٣١٢
تقرر من أن الاكرام منوط بخوف محذور ديني أو دنيوي لحوق ضرر للفاعل أو للمفعول معه فمتى خيف شئ من ذلك شرع إكرامه بل قد يجب فمن قدم عليه بعض الولاة الظلمة الفسقة فأقصى مجلسه وعامله معاملة الرعية فقد عرض نفسه وماله للبلاء فإن أوذي ولم يصبر فقد خسر الدنيا والآخرة، وقد قيل:
دارهم ما دمت في دارهم * وحيهم ما دمت في حيهم وقال صلى الله عليه وسلم " بعثت بمداراة الناس " هب) وهو ضعيف، ولهذا كان كثير من أكابر السلف المعروفين بمزيد الورع يقبلون جوائز الأمراء المظهرين للجور ويظهرون لهم البشاشة حفظا للدين ورفقا بالمسلمين ورحمة لذلك الظالم المبتلى المسكين وهكذا كان أسلوب المصطفى صلى الله عليه وسلم مع المؤلفة وغيرهم، وقد غلط في هذا الباب كثير غفلة عن معرفة تدبير الله ورسوله في خلقه والجمود على ظاهر * (ومن يهن الله فما له من مكرم) * وما دروا أن السنة شرحت ذلك وبينته أحسن بيان فموضع طلب إهانة الكافر والفاسق الأمن من حصول مفسدة، والحاصل أن الكامل إنما يكرم لله ويهين لله ولهذا قال بعض العارفين ينبغي للفقير أن يكرم كل وارد عليه من الولاة فإن أحدهم لم يزر الفقير حتى خلع كبرياءه ورأي نفسه دونه وإلا لما أتاه مع كونه من رعاياه قال فمن أتانا فقيرا حقيرا أكرمناه كائنا من كان وإن كان ظالما فنحن ظالمون لأنفسنا بالمعاصي وغيرها ولو بسوء الظن فظالم قام لظالم وأكرمه وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتواضع لأكابر كفار قريش ويكرمهم ويرفع منزلتهم لأنهم مظاهر العزة الإلهية ورؤي بعض الأولياء في النوم وعليه حلة خضراء والأنبياء والأولياء واقفون بين يديه فاستشكل ذلك الرائي فقصه على بعضهم قال لا تنكره فإن تأدبهم مع من ألبسه الخلعة لامعة، ألا ترى أن السلطان إذا خلع على بعض غلمانه ركب أكابر الدولة في خدمته فرحم الله القائل:
رب هب لي مذلة وانكسارا * وأنلني تواضعا وافتقارا وفق القلب واهده لصلاح * وأذقني حلاوة واصطبار (ه عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الصباح قال في الكشاف: وثقه أبو زرعة، له حديث منكر ومحمد بن عجلان ضعفه خ ووثقه غيره (البزار) في مسنده (وابن خزيمة) في صحيحه (طب عد هب عن جرير) بن عبد الله البجلي بفتح الموحدة والجيم والقشيري اليماني أسلم عام توفي المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان يحبه ويكرمه وكان عالي الجمال حتى قال فيه عمر هو يوسف هذه الأمة قال الهيتمي عقب عزوه للطبراني وفيه حصين بن عمر مجمع على ضعفه وسببه أن جريرا قدم على المصطفى صلى الله عليه وسلم فبسط له رداءه ثم ذكره (البزار) في مسنده (عن أبي هريرة) قال الهيتمي: وفيه من لم أعرفه انتهى. وفي الميزان
(٣١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة