يقرأ عليه فأذن فجلس متربعا فامتنع من إقرائه وقال: أنت أحوج إلى الأدب منك إلى العلم الذي جئت تطلبه وحكى عن الشمس الجوهري أنه لما شرع في الاشتغال بالعلم طاف على أكابر علماء بلده فلم يعجبه منهم أحد لحدة فهمه حتى إذا جاء شيخ الإسلام يحيى المناوي فجلس بين يديه وفي ظنه أنه يلحقه بمن تقدم فشرع في القراءة فتأمل الشيخ فوجد أصبعا من أصابع رجله مكشوفا فانتهره وقال له بحال أنت قليل الأدب لا يجئ منك في الطلب غط أصبعك واستعمل الأدب فحم لوقته وزال عنه ما كان يجده من الاستخفاف بالناس ولزم دروسه حتى صار رأسا عظيما في العلم. وقال بعضهم: قد أدب الله تعالى روح نبيه صلى الله عليه وسلم ورباها في محل القرب قبل اتصالها ببدنه الظاهر باللطف والهبة فتكامل له الإنس باللطف والأدب بالهيبة واتصلت بعد ذلك بالبدن ليخرج باتصالها كمالات أخرى من القوة إلى الفعل وينال كل من الروح والبدن بواسطة الأخرى من الكمال ما يليق بالحال ويصير قدوة لأهل الكمال، والأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا وقيل: الأخذ بمكارم الأخلاق وقيل الوقوف مع المستحسنات وقيل تعظيم من فوقه مع الرفق بمن دونه وقيل: غير ذلك. قال الحراني:
والربوبية إقامة المربوب لما خلق وأريد له فرب كل شئ مقيمه بحسب ما أبداه وجوده فرب المؤمن ربه وباه للإيمان ورب الكافر ربه ورباه للكفران ورب محمد صلى الله عليه وسلم ربه ورباه للحمد ورب العالمين رب كل عالم لما خلق له * (أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) * فالربوبية بيان في كل رتبة بحسب ما أظهرته آية مربوبه، من عرف نفسه فقد عرف ربه. - (ابن السمعاني) الإمام أبو سعد (في) كتاب (أدب الإملاء) أي إملاء الحديث من جهة صفوان بن مفلس الحنطي عن محمد بن عبد الله عن سفيان الثوري عن الأعمش (عن ابن مسعود) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أدبني فأحسن أدبي ثم أمرني بمكارم الأخلاق فقال * (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) * هذا سياق رواية السمعاني بحروفه فتصرف فيه المؤلف كما ترى. قال الزركشي: حديث أدبني ربي فأحسن تأديبي معناه صحيح لكنه لم يأت من طريق صحيح وذكره ابن الجوزي في الواهيات عن علي في ذيل حديث وضعفه وأسنده سبطه في مرآة الزمان وأخرجه بطرق كلها تدور على السدي عن ابن عمارة الجواني عن علي وفيه فقال يا رسول الله إنك تكلم الوفود بكلام أو لسان لا نفهم أكثره فقال إن الله أدبني فأحسن تأديبي ونشأت في بني سعد فقال له عمر يا رسول الله كلنا من العرب فما بالك أفصحنا فقال: أتاني جبريل بلغة إسماعيل وغيرها من اللغات فعلمني إياها، وصححه أبو الفضل بن ناصر، قال المؤلف وأخرج العسكري عن علي قال قدم بنو فهد بن زبد على المصطفى صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتيناك من غور تهامة وذكر خطيبهم وما أجابهم المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: فقلت يا نبي الله نحن بنو أب واحد ونشأنا في بلد واحد وإنك تكلم العرب بلسان لا نفهم أكثره فقال: أدبني ربي إلى آخره وأخرج ابن عساكر أن أبا بكر قال: يا رسول الله طفت في العرب وسمعت كلام فصائحهم فما سمعت أفصح منك فمن أدبك قال: أدبني ربي ونشأت في بني سعد قال: وإسناده ضعيف وقال السخاوي: ضعيف وإن اقتصر شيخنا يعني ابن حجر على الحكم عليه بالغرابة في بعض فتاويه وقال ابن تيمية: لا يعرف له سند ثابت.