فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٢٩٠
التوفيق الرضا بالقضاء والقناعة بالقسم، قال الحكماء: من قنع كان غنيا وإن كان فقيرا ومن تجاوز ما له القناعة فهو فقير وإن كان غنيا وقال بعضهم: الرضا بالكفاف يؤدي إلى العفاف ومن رضي بالمقدور قنع بالميسور وقالوا: ما كان لك من الدنيا أتاك على ضعفك وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك ومن قطع رجاءه مما فات استراح بدنه والراحة كلها في الرضا بالمقسوم والاقتصار على حال الوقت والإعراض عما كان ويكون لأن ذلك كدر في الوقت وشغل بما لا يعني ولا يغني والهم كله في الأسف على الأمور الماضية والاهتمام بالأمور الآتية من الدنيا وعماد ذلك أن العبد يقبل ما أعطاه سيده في الوقت ولا يهتم بما بعد الوقت لا من أين ولا كيف ولا ماذا يعطيه لأنه ليس مما يعنيه (تتمة) قال الغزالي: للشرع حكمان حكم الجواز وحكم الأفضل الأحوط فالجائز يقال له حكم الشرع والأفضل والأحوط يقال له حكم الورع فافهم وبه يخرج الجواب عن قول من قال الورع موضوع على التشديد والشرع موضوع على اليسر والسماحة. (عد عن ابن مسعود) قال ابن الجوزي قال الدارقطني رفعه وهم والصواب وقفه.
310 - (أدبني ربي) أي علمني رياضة النفس ومحاسن الأخلاق الظاهرة والباطنة، والأدب ما يحصل للنفس من الأخلاق الحسنة والعلوم المكتسبة، وفي شرح النوابغ هو ما يؤدي بالناس إلى المحامد أي يدعوهم (فأحسن تأديبي) بإفضاله علي بالعلوم الكسبية والوهبية بما لم يقع نظيره لأحد من البشر قال بعضهم: أدبه بآداب العبودية وهذبه بمكارم أخلاق الربوبية ولما أراد إرساله ليكون ظاهر عبوديته مرآة للعالم كقوله صلوا كما رأيتموني أصلي وباطن حاله مرآة للصادقين في متابعته وللصديقين في السير إليه * (فاتبعوني يحببكم الله) * وقال القرطبي: حفظه الله من صغره وتولى تأديبه بنفسه ولم يكله في شئ من ذلك لغيره ولم يزل الله يفعل به حتى كره إليه أحوال الجاهلية وحماه منها فلم يجر عليه شئ منها، كل ذلك لطف به وعطف عليه وجمع للمحاسن لديه انتهى. وفي هذا من تعظيم شأن الأدب ما لا يخفى، ومن ثم قالوا: الأدب صورة العقل فصور عقلك كيف شئت وقالوا: الفضل بالعقل والأدب لا بالأصل والنسب لأن من ساء أدبه ضاع نسبه ومن ضل عقله ضل أصله وقالوا: زك قلبك بالأدب كما تزكي النار بالحطب وحسن الأدب يستر قبيح النسب. وقال في العوارف: بالأدب يفهم العلم وبالعلم يصلح العمل وبالعمل تنال الحكمة ولما ورد أبو حفص النيسابوري العراق جاءه الجنيد فرأى أصحابه وقوفا على رأسه يأتمرون بأمره فقال: أدبت أصحابك آداب الملوك. قال: لا ولكن حسن الأدب في الظاهر عنوان حسن الأدب في الباطن. وقال العارف ابن سلام: مددت رجلي تجاه الكعبة فجاءتني امرأة من العارفات فقالت: إنك من أهل العلم لا تجالسه إلا بالأدب وإلا محى اسمك من ديوان القرب. وقال السقطي: مددت رجلي ليلة في المحراب فنوديت ما هكذا تجالس الملوك فقلت: وعزتك لا مددتها أبدا فلم يمدها ليلا ولا نهارا. قال في العوارف: وكل الآداب متلقيات عن المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه مجمعها ظاهرا وباطنا وذكر البرهان البقاعي أنه سأله بعض العجم أن
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة