فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٢٨٥
واجب لله تعالى انتهى وقال الطيبي قوله لا مالك إلى آخره استئناف لبيان تعليل تحريم التسمية فنفى جنس الملاك بالكلية لأن المالك الحقيقي ليس إلا هو ومالكية الغير مستردة إلى مالك الملوك فمن تسمى بذلك نازع الله سبحانه وتعالى في رداء كبريائه واستنكف أن يكون عبده لأن وصف المالكية مختص بالله لا يتجاوز والمملوكية بالعبد لا تتجاوزه فمن تعدى طوره فله في الدنيا الخزي والعار وفي الآخرة الإلقاء في النار انتهى، ومن العجائب التي لا تخطر بالبال ما نقله ابن بريدة عن بعض شيوخه أن أبا العتاهية ك ان له ابنتان سمى إحداهما الله والأخرى الرحمن وهذا من أعظم القبائح وأشد الجرائم والفضائح وقيل إنه تاب وألحق بعض المتأخرين بملك الأملاك حاكم الحكام وقد شدد الزمخشري النكير عليه فقال في تفسير قوله تعالى * (وأنت أحكم الحاكمين) * رب غريق في الجهل والجور من متقلدي الحكومة في زمننا قد لقب أقضى القضاة ومعناه أحكم الحاكمين فاعتبر واستعبر انتهى واعترضه ابن المنير بأن خبر أقضاكم علي يؤخذ منه جواز أن يقال لأعدل القضاة وأعلمهم في زمنه قاضي القضاة ورد عليه وشنع العلم العراقي منتصرا للزمخشري ومن النوادر أن العز بن جماعة رأى أباه في النوم فسأله عن حاله فقال ما كان علي أضر من هذا الاسم فنهى الموقعين أن يكتبوا له في الاسجال قاضي القضاة بل قاضي المسلمين ومنع الماوردي من جواز تلقيب الملك الذي كان في عصره بملك الملوك مع أن الماوردي كان يقال له أقضى القضاة ولعل الفرق الوقوف مع الخبر وظهور إرادة العهد الزماني في القضاة وقال ابن أبي جمرة يلحق بملك الأملاك قاضي القضاة وإن اشتهر في بلاد الشرق من قديم الزمان خلافه وفيه مشروعية الأدب في كل شئ قال ابن القيم وتحرم التسمية بسيد الناس وسيدة الكل كما تحرم بسيد ولد آدم فإن ذا ليس لأحد إلا للرسول عليه الصلاة والسلام فلا يحل إطلاقه على غيره قال ولا تجوز التسمية بأسماء الله الحسنى كالأحد والصمد ولا تسمية الملوك بالظاهر والقاهر والقادر وظاهر الوعيد يقتضي التحريم الشديد، هبه قصد أنه ملك على ملوك الأرض أو بعضها لكن القاضي أبا الطيب من أكابر الشافعية يجوزه بالقصد المذكور وخالفه الماوردي كما مر ويأتي (ق د ت عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه وفي الباب غيره أيضا انتهى.
304 - (إخوانكم) جمع أخ وهو الناشئ مع أخيه من منشأ واحد على السواء بل بوجه ما، قاله الحراني (خولكم) بفتح المعجمة والواو وضم اللام أي خدمكم جمع خائل أي خادم سمي به لأنه يتخول الأمور أي يصلحها ومنه الخولي لمن يقوم بإصلاح البستان والتخويل التمليك وأخبر عن الأخوة بالخول مع أن القصد عكسه اهتماما بشأن الإخوان أو الحصر الخول في الإخوان أي ليسوا إلا لإخوانكم أي من جهة تفرع الكل عن أصل واحد وهو آدم عليه الصلاة والسلام ومن قال في الدين لم يصب إذ يلزم قصر طلب المواساة في الأرقاء على المسلمين مع عمومها وحينئذ ففي الكلام معنى التشبيه أو إخوانكم مبتدأ و (جعلهم الله) خبره فعليه إخوانكم مستعار لطي المشبه وجوز جمع نصب إخوانكم بفعل مقدر أي احفظوا إخوانكم وخولكم نعت له قال أبو البقاء وهو أجود من الرفع في تخصيص الإخوان بالذكر إشعارا بعلة المواساة وأن ذلك مندوب لأنه وارد على منهج التلطف والتعطف ومعاملتهم بالشفقة والمناصحة والمسامحة وغير ذلك من ضروب الإحسان مما يعود الطبع إليه من
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة