الذهبي: وبين الأئمة اختلاف كبير في الفروع وبعض الأصول وللقليل منهم غلطات وزلقات ومفردات منكرة وإنما أمرنا باتباع أكثرهم صوابا ونجزم بأن غرضهم ليس إلا اتباع الكتاب والسنة وكلما خالفوا فيه لقياس أو تأويل قال وإذا رأيت فقيها خالف حديثا أو رد حديثا أو حرف معناه فلا تبادر لتغليطه فقد قال علي كرم الله وجهه لمن فال له أتظن أن طلحة والزبير كانا على باطل يا هذا إنه ملبوس عليك إن الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف أهله وما زال الاختلاف بين الأئمة واقعا في الفروع وبعض الأصول مع اتفاق الكل على تعظيم الباري جل جلاله وأنه ليس كمثله شئ وأن ما شرعه رسوله حق وأن كتابهم واحد ونبيهم واحد وقبلتهم واحدة وإنما وضعت المناظرة لكشف الحق وإفادة العالم الاذكى العلم لمن دونه وتنبيه الأغفل الأضعف فإن داخلها زهو من الأكمل وانكسار من الأصغر فذاك دأب النفوس الزكية في بعض الأحيان غفلة عن الله فما الظن بالنفوس الشريرة المنطفية انتهى. ويجب علينا أن نعتقد أن الأئمة الأربعة والسفيانين والأوزاعي وداود الظاهري وإسحاق بن راهويه وسائر الأئمة على هدى ولا التفات لمن تكلم فيهم بما هم بريئون منه والصحيح وفاقا للجمهور أن المصيب في الفروع واحد ولله تعالى فيما حكم عليه أمارة وأن المجتهد كلف بإصابته وأن مخطئه لا يأثم بل يؤجر فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فأجر، نعم إن قصر المجتهد أثم اتفاقا وعلى غير المجتهد أن يقلد مذهبا معينا وقضية جعل الحديث الاختلاف رحمة جواز الانتقال من مذهب لآخر والصحيح عند الشافعية جوازه لكن لا يجوز تقليد الصحابة وكذا التابعين كما قاله إمام الحرمين من كل من لم يدون مذهبه فيمتنع تقليد غير الأربعة في القضاء والافتاء لأن المذاهب الأربعة انتشرت وتحررت حتى ظهر تقييد مطلقها وتخصيص عامها بخلاف غيرهم لانقراض اتباعهم وقد نقل الإمام الرازي رحمه الله تعالى إجماع المحققين على منع العوام من تقليد أعيان الصحابة وأكابرهم انتهى. نعم يجوز لغير عامي من الفقهاء المقلدين تقليد غير الأربعة في العمل لنفسه إن علم نسبته لمن يجوز تقليده وجمع شروطه عنده لكن بشرط أن لا يتتبع الرخصة بأن يأخذ من كل مذهب الأهون بحيث تنحل ربقة التكليف من عتقه وإلا لم يجز خلافا لابن عبد السلام حيث أطلق جواز تتبعها وقد يحمل كلامه على ما إذا تتبعها على وجه لا يصل إلى الانحلال المذكور وقول ابن الحاجب كالآمدي من عمل في مسألة بقول إمام ليس له العمل فيها بقول غيره اتفاقا إن أراد به اتفاق الأصوليين فلا يقضي على اتفاق الفقهاء والكلام فيه وإلا فهو مردود ومفروض فيما لو بقي من آثار العمل الأول ما يستلزم تركب حقيقة لا يقول بها كل من الإمامين كتقليد الإمام الشافعي في مسح بعض الرأس والإمام مالك في طهارة الكلب في صلاة واحدة فعلم أنه إنما يمتنع تقليد الغير في تلك الواقعة نفسها لا مثلها كأن أفتى ببيونة زوجته بنحو تعليق فنكح أختها ثم أفتى بأن لا بينونة ليس له الرجوع للأولى بغير إبانتها وكان أخذ بشفعة جوار تقييدا للحنفي ثم استحقت عليه فيمتنع تقليده الشافعي في تركها لأن كلا من الإمامين لا يقول به فلو اشترى بعده عقارا وقلد الإمام الشافعي في عدم القول بشفعة الجوار لم يمنعه ما تقدم من تقليده في ذلك فله الامتناع في تسليم العقار الثاني وإن قال الآمدي وابن الحاجب ومن على قدمها كالمحلى بالمنع في هذا وعمومه في جميع صور ما وقع العمل به أولا فهو ممنوع وزعم الاتفاق عليه باطل، وحكى
(٢٧٢)