لا يوجب الجزم بأن حقيقته ذلك ما لم يقم عليه برهان إذ غايته أنهم يعنون بالتعقل ذلك المعنى الذي عرفوه به ولكن من أين لهم أن الحالة التي نجدها من أنفسنا ونسميها العلم حقيقته ذلك الذي ذكروه لا بد له من دليل سلمناه أي سلمنا أن حقيقة العلم ما ذكرتموه لكن لم لا يجوز أن يشترط فيه التغاير بين الحاضر وما حضر هو عنده فلا يكون الشيء عالما بنفسه كما اشترط ذلك في الحواس فإنها لا تدرك أنفسها مع كونها حاضرة عندها غير غائبة عنها سلمناه أي عدم اشتراط التغاير لكن لا نسلم أن العلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول وإلا لزم من العلم بالشيء العلم بجميع لوازمه القريبة والبعيدة لأنه إذا علم الشيء علم لازمه القريب الذي هو معلوله وإذا علما معا علم البعيد أيضا لأنه معلولهما نعم يلزم ذلك إذا علم الشيء الذي هو علة وعلم أنه علة له أي للشيء الأخر الذي هو معلول وعلم أنه موجود وعلم أنه يلزم من وجود العلة وجود المعلول فحينئذ يعلم وجود المعلول قطعا لكن ما ذكرتم يدل على أنه عالم بذات العلة التي هي ذاته الحاضرة عنده ولا يدل على ثبوت العلم الآخر فلم قلتم إن ذلك كله حاصل له حتى يتم مطلوبكم تنبيه مسلكا المتكلمين يفيدان العلم بالجزئيات كما يفيدان العلم بالكليات وذلك لأن الجزئيات معلولة بالكليات صادرة عنه على صفة الاتقان ومقدورة له فيكون عالما بهما معا وأما مسلكا الحكماء فلا يوجبان إلا علما كليا لأن ما علم بماهيته المجردة كما استفيد من الأول أو علم بعلته كما استفيد من الثاني يعلم علما كليا فإن المعلول ماهيته كذا أما وحدها كما في المسلك الأول أو مع كونها معللة بكذا كما في المسلك الثاني والماهية كلية وكونها معللة بكذا كلي أيضا
(١٠٣)