وقالت الفلاسفة إنها واجبة عقلا لما مر من أن النظام الأكمل الذي تقتضيه العناية الأزلية لا يتم بدون وجود النبي الواضع لقوانين العدل وقال بعض المعتزلة يجب على الله وفصل بعضهم فقال إذا علم الله من أمة أنهم يؤمنون وجب عليه إرسال النبي إليهم لما فيه من استصلاحهم وإلا أي وإن لم يعلم ذلك بل علم أنهم لا يؤمنون لم يجب الإرسال بل حسن قطعا لأعذارهم وقال أبو هاشم يمتنع خلوه أي خلو البعث عن تعريف شرعيات لا يستقل العقل بها لأن البعثة الخالية عنه لا فائدة فيها وجوزه الجبائي لتقرير الواجبات العقلية فإنه فائدة جليلة وجوزه أيضا لتقرير الشريعة المتقدمة سواء كانت مندرسة أو لا وقيل إنما يجوز البعث لتقريرها إذا اندرست وهو أي هذا الذي نقلناه من المعتزلة على الوجوه المختلفة بناء أي مبني على أصلهم الفاسد أعني قاعدة التحسين والتقبيح العقليين وما يتفرع عليها من اعتبار الغرض ووجوب الألطاف ورعاية الأصلح فيكون فاسدا أيضا وعلى تقدير صحته لا يضرنا في مدعانا فإنا إنما ادعينا الإمكان العام الذي يجامع الوجوب لا الإمكان الخاص الذي ينافيه وغرضنا هنا رد شبه المنكرين للبعثة وهم طوائف الأولى من أحالها أي حكم باستحالتها لذاتها الثانية من جوزها ولكن قال لا تخلو البعثة عن التكليف بأوامر ونواه وأنه أي التكليف ممتنع فتنتفي البعثة لانتفاء لازمها
(٣٥٩)