المواقف - الإيجي - ج ٣ - الصفحة ٣٥٤
والجواب بعد تسليم حكم العقل أن الشرع فائدته تفصيل ما أعطاه العقل إجمالا وبيان ما يقصر عنه العقل فإن القائلين بحكم العقل لا ينكرون أن من الأفعال ما لا يحكم فيه كوظائف العبادات وتعيين الحدود وتعليم ما ينفع وما يضر من الأفعال وذلك كالطبيب يعرف الأدوية وطبائعها وخواصها مما لو أمكن معرفتها للعامة بالتجربة ففي دهر طويل يحرمون فيه من فوائدها ويقعون في المهالك قبل استكمالها مع أن اشتغالهم بذلك يوجب إتعاب النفس وتعطل الصناعات والشغل عن مصالح المعاش فإذا تسلموه من الطبيب خفت المؤنة وانتفعوا به وسلموا من تلك المضار ولا يقال في إمكان معرفته غنى عن الطبيب كيف والنبي لا يعلم ما يعلم إلا من جهة الله وفيما تقدم من تقرير مذهب الحكماء تتمة لهذا الكلام الرابعة من قال بامتناع المعجزة لأن تجويز خرق العادة سفسطة ولو جوزناه لجاز انقلاب الجبل ذهبا وماء البحر دما ودهنا وأواني البيت رجالا وتولد هذا الشيخ دفعة بلا أب وأم وكون من ظهرت المعجزة على يده غير من ادعى النبوة بأن يعدم المدعي ويوجد مثله ولا يخفى ما فيه من الخبط والإخلال بالقواعد والجواب إن خرق العادات أوليس أعجب من أول خلق السماوات والأرض وما بينهما ومن انعدامها الذي نقول به والجزم بعدم وقوع بعضها لا ينافي إمكانها وذلك كما في المحسوسات فإنا نجزم بأن حصول الجسم المعين في الحيز المعين لا يمتنع فرض عدمه بدله مع الجزم به للحس والعادة أحد طرق العلم كالحس ثم إن خرق العادة إعجازا وكرامة عادة مستمرة الخامسة من قال ظهور المعجزة لا يدل على الصدق لاحتمالات الأول كونه من فعله لا من فعل الله إما لمخالفة نفسه لسائر النفوس أو لمزاج خاص في بدنه أو لكونه ساحرا وقد أجمعتم على
(٣٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 ... » »»