ملائما لمصلحة العالم وكون الكذب منافرا لها ولا يلزم من فرض الاستواء تحققه فاختياره الصدق لملائمة تلك المصلحة لا لكونه حسنا في نفسه وأما حديث الإنقاذ فذلك لرقة الجنسية وذلك مجبول في الطبيعة وسببه أنه يتصور مثله في حق نفسه أي يتصور إشرافه على الهلاك فيستحسن فعل المنقذ له إذا قدره فيجره ذلك إلى استحسانه من نفسه حق الغير وأما الطريقان الإلزاميان فأحدهما لو حسن من الله كل شيء كما اقتضاه مذهبكم من القبح إنما هو لأجل النهي الذي لا يتصور في أفعاله تعالى الحسن أي لا يمتنع منه الكذب وفي ذلك إبطال للشرائع وبعثة الرسل بالكلية لأنه قد يكون في تصديقه للنبي بالمعجزة كاذبا ولا يمكن حينئذ تمييز النبي عن المتنبىء فلا تثبت الأحكام الشرعية وتنتفي فائدة البعثة وأنه باطل إجماعا ولحسن منه أيضا خلق المعجزة على يد الكاذب وعاد المحذور الذي هو سد باب النبوة والجواب أن مدرك امتناع الكذب منه تعالى عندنا أوليس هو قبحه العقلي حتى يلزم من انتفاء قبحه أن لا يعلم امتناعه منه إذ يجوز أن يكون له مدرك آخر وقد تقدم هذا في مباحث كونه تعالى متكلما ودلالة المعجزة على صدق المدعي عادية فلا تتوقف على امتناع الكذب كما في سائر العلوم العادية التي ليست نقائضها ممتنعة فنحن نجزم بصدق من ظهرت المعجزة على يده مع أن كذبه ممكن في نفسه فلا يلزم التباس وسيأتي وثانيهما الإجماع على تعليل الأحكام الشرعية بالمصالح والمفاسد ولو توقف الحسن والقبح على ورود الشرع كما زعمتم لامتنع
(٢٨٠)