لأنه يتقوى بها على الطاعة، فإذا كان هذا الهدف من ورائه استعانته بالشعر فقد وجد ذلك من صميم الشرع الحنيف.
وقد طالب هذا الشرع _ بعد أن أقر الشاعر على مبدأ كونه شاعرا _ الشاعر أن يكون ملتزما بتلك الشروط الأولى التي وضع أسسها من خلال تلك الأحاديث الشريفة بله الالتزام بكل من يمت إلى تلك الشروط بصلة أو ما يتفرع منها، أو يتفق مع القواعد العامة للشريعة ولا يخالفها.
وبسبب من وضوح الرؤية لدى الفرد المسلم وشمولها في كل الميادين الحياتية كان من تحصيل الحاصل أن يكون تعبيره عما يعتلج في نفسه أشد ما يكون وضوحا وجلاء، وأن يدعم هذا التعبير بكل ما من شأنه أن يوصل سامعه إلى هدفه وإبلاغه رسالته التي حملها ليؤديها حق الأعداء وأصدقه، ومن هنا كانوا يتمثلون بالشعر، ويحلون كلامهم بكل جميل جلي من التعبير والبيان، لتكون صورهم مقنعة لا شائبة فيها ولا زغل.
أما تحرجهم من قول الشعر فهو أولا بسبب ما كان من بغض رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث به للأسباب الطويلة التي مر بنا ذكرها، وبسبب الحذر الذي يحيط به خوفا من الوغول فيه إلى مدى لا رجعة فيه، ولوجود بديله الذي يرتبط بحياة المسلم ارتباطا وثيقا ألا وهو كتاب الله الذي لا ريب فيه، وهو ما دعا لبيدا _ وكان من فحول الشعراء _ إلى ترك الشعر والاعتصام به ملاذا امنا.
وكون الشعر أبغض الحديث إليه صلى الله عليه وسلم لا يعني منعه إطلاقا، بل يعني فقط أن نفسه تعافه دون إلزام المسلمين ببغضه، ويدل على ذلك موقفه من إنشاده وتمثله به وغير ذلك مما يدخل في الإطار الذي ذكرناه والذي رسمه الله ورسوله.