الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٧ - الصفحة ٩٦
حكما ولا رد به قضاء سلف منه مجتهدا فيه على ما أوجبه (الظاهر) واما قوله صلى الله عليه وسلم (فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما اقطع له قطعة من النار) ففيه بيان واضح بان قضاء القاضي بالظاهر الذي يعتد (به) لا يحل حراما في الباطن على من علمه واجمع العلماء (على) ان ذلك في الأموال صحيح كما وصفنا لقول الله عز وجل * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) * [البقرة 188] واختلفوا في حل عصمة النكاح أو عقدها بظاهر ما يقضي به الحكم (وهو خلاف الباطن) فقال مالك والثوري والأوزاعي والشافعي واحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وجمهور العلماء الأموال والفروج في ذلك سواء وهي حقوق كلها لا يحل منها القضاء الظاهر ما هو حرام في الباطن لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما اقطع له قطعة من النار) ولم يخص حقا من حق وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وكثير من أصحابنا انما ذلك في الأموال وقالوا في رجلين تعمدا الشهادة بالزور على رجل انه طلق امرأته فقبل القاضي بشهادتهما بظاهر عدالتهما عنده وهما قد تعمدا الكذب ففرق القاضي بشهادتهما بين الرجل وامرأته ثم اعتدت المراة انه جائز لاحد الشاهدين ان يتزوجها فإنه عالم بأنه كان من شهادته كاذبا (وهو قول الشعبي) لأنها لما حلت للأزواج في الظاهر كان الشاهد وغيره سواء لان قضاء القاضي (وحكمه) فرق بينها وبين زوجها وانقطعت عصمتها منه ولولا ذلك ما حلت لزوج غيره (واحتجوا بحكم اللعان) وقالوا معلوم ان الزوجة انما وصلت إلى فراق زوجها باللعان الكاذب الذي لو علم الحاكم كذبها فيه ما فرق بينها وبين زوجها ولا حكم فيها بغير ذلك من وجوب الحد عليها (الجلد) أو الرجم قالوا فلم يدخل هذا في معنى (قول) النبي صلى الله عليه وسلم (من قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه) قالوا الا ترى ان من شهد عليه بالنكاح أو بالطلاق وقضى القاضي (عليه) بذلك لم يكن له الامتناع منه وجاز الحكم بشهادة الشهود عليه ولزمه التسليم له
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»