الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٧ - الصفحة ٣٥٠
قال أبو عمر قد خرج الناس في معاني حديث بريرة وجوها كثيرة فمنهم من له في ذلك باب ومنهم في ذلك كتاب وربما ذكروا من الاستنباط ما لا يفيد علما ولا يثيره ونحن - إن شاء الله تعالى بعونه وفضله - نذكر من معاني حديث بريرة ها هنا ما فيه كفاية من الاحكام التي عني بذكرها وبالحرص فيها الفقهاء وأولو الأحلام والنهى فمن ذلك ان في حديث بريرة استعمال عموم الخطاب في السنة والكتاب لان بريرة لما كاتبها أهلها دل على أن الرجال والنساء والعبيد والإماء داخلون في عموم قول الله تعالى * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم) * الآية [النور 33] وان الأمة ذات زوج كانت أو غير ذات زوج داخلة في حديث بريرة في عموم الآية لأنها كانت ذات زوج لا خلاف فيه وفيه دليل ان كتابة الأمة ذات الزوج جائزة دون زوجها وفي ذلك دليل على أن زوجها ليس له منعها من الكتابة وان كانت تؤول إلى فراقة بغير ارادته إذا أدت وعتقت وخيرت فاختارت نفسها ولا منعها من السعي في كتابتها ولو استدل مستدل من هذا المعنى بان الزوجة ليس عليها خدمة زوجها كان حسنا كما أن للسيد عتق الأمة تحت العبد وان أدى ذلك إلى بطلان نكاحه وله ان يبيع أمته من زوجها الحر وان كان في ذلك بطلان زوجيتيهما كان بهذا المعنى جائزا له كتابتها على رغم زوجها وفيه دليل على أن به يجوز للسيد مكاتبة عبده وأمته وان لم يكن لهما شيء من المال الا ترى ان بريرة جاءت تستعين عائشة في أول كتابتها ولم تكن أدت منها شيئا كذلك ذكر بن شهاب عن عروة في هذا الحديث ذكره بن وهب عن يونس والليث عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت جاءت بريرة إلي فقالت يا عائشة اني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فاعينيني ولم تكن قضت من كتابتها شيئا وذكر تمام الحديث [وفيه دليل على إجازة كتابة الأمة وهي غير ذات صنعة وكتابة من لا حرفة له ولا مال معه إذ ظاهر الخبر انها ابتدأت بالسؤال من حين كوتبت ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم هل لها مال أو عمل واجب أو مال ولو كان هذا واجبا لسال عنه ليقع علمه عليه لأنه بعث مبينا ومعلما - صلى الله عليه وسلم
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»