الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ١٥
مسجدهم ضيقا متقارب السقف إنما هو عريش فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار وقد عرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح أذى بذلك بعضهم بعضا فلما وجد رسول الله تلك الريح قال أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل ووسع مسجدهم وذهب الذي كان يؤذي به بعضهم بعضا من العرق وقد تقدم عن أبي سعيد أنه قرنه بالسواك والطيب يوم الجمعة وفي إجماع الجمهور من علماء المسلمين على سقوط وجوب الغسل يوم الجمعة وجوب فرض لاتفاقهم على أن من شهد الجمعة بغير غسل أجزائه الجمعة ما يغني عن كل قول إلا أنهم اختلفوا هل غسل الجمعة سنة مسنونة للأمة أم هو استحباب وفضل أم كان لعلة فارتفعت وليس بسنة فذهب مالك والثوري وجماعة من أهل العلم أن غسل الجمعة سنة مؤكدة لأنها قد عمل بها رسول الله والخلفاء بعده والمسلمون واستحبوها وندبوا إليها وهذا سبيل السنن المؤكدة ومن حجتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل للجمعة بقوله من جاء منكم الجمعة فليغتسل (1) وبما ذكرنا من الآثار بلفظ الأمر والوجوب فيما تقدم من هذا الباب ثم جاءت الآثار المذكورة بجواز شهوده بغير غسل وبأنه أفضل إن اغتسل يدل على أن ذلك أمر سنة لا فرض وروى بن وهب عن مالك أنه سئل عن غسل الجمعة واجب هو قال هو سنة ومعروف قيل له إنه في الحديث واجب قال ليس كل ما جاء في الحديث يكون كذلك وروى أشهب عن مالك أنه سئل عن غسل الجمعة أواجب هو قال هو حسن وليس بواجب وهذه الرواية عن مالك تدل على أنه مستحب وذلك عندهم دون منزله السنة إلا أن رواية بن وهب عنه أنه سنة عليه أكثر أصحابه بن عبد الحكم وغيره وقد قال بن القاسم فيمن أتى الجمعة ولم يغتسل فإنه يخرج من المسجد إذا كان الوقت واسعا ثم يغتسل وقاله بن كنانة
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»