حتى أوجس منهم خيفة وكمجئ جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام فلم يعرفه المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى ولى فكان مجئ ملك الموت إلى موسى على غير الصورة التي كان يعرفه موسى عليه السلام عليها وكان موسى غيورا فرأى في داره رجلا لم يعرفه فشال يده فلطمه فأتت لطمته على فق ء عينه التي في الصورة التي يتصور بها لا الصورة التي خلقه الله عليها ولما كان المصرح عن نبينا صلى الله عليه وسلم في خبر بن عباس حيث قال أمني جبريل عند البيت مرتين فذكر الخبر وقال في آخره هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك كان في هذا الخبر البيان الواضح أن بعض شرائعنا قد تتفق ببعض شرائع من قبلنا من الأمم ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل داره بغير إذنه أو الناظر إلى بيته بغير أمره من غير جناح على فاعله ولا حرج على مرتكبه للأخبار الجمة الواردة فيه التي أمليناها في غير موضع من كتبنا كان جائزا اتفاق هذه خالف بشريعة موسى بإسقاط الحرج عمن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحا له ولا حرج عليه في فعله فلما رجع ملك الموت إلى ربه وأخبره بما كان من موسى فيه أمره ثانيا بأمر آخر أمر اختبار وابتلاء كما ذكرنا قبل إذ قال الله له قل له إن شئت فضع يدك على متن ثور فلك بكل ما غطت يدك بكل شعرة سنة فلما علم موسى كليم الله صلى الله على نبينا وعليه أنه ملك الموت وأنه جاءه بالرسالة من عند الله طابت نفسه بالموت ولم يستمهل وقال فالآن فلو كانت المرة الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت لاستعمل ما استعمل في المرة الأخرى عند تيقنه وعلمه به ضد قول من زعم أن أصحاب الحديث حمالة الحطب ورعاة الليل يجمعون ما لا ينتفعون به ويروون ما لا يؤجرون عليه ويقولون بما يبطله الإسلام جهلا منه لمعاني الأخبار وترك التفقه في الآثار معتمدا منه على رأيه المنكوس وقياسه المعكوس
(١١٥)