رأسه فلما رآه كأنه ازدراه، فقال: لا شئ. فقال صاحب المسحاة: أللدنيا؟!! فإن الدنيا عرض حاضر، يأكل منه البر والفاجر، والآخرة أجل صادق، يحكم فيها ملك قادر، يفصل بين الحق والباطل، حتى ذكر أنها مفاصل كمفاصل اللحم من أخطأ شيئا أخطأ الحق. قال: فلما سمع ذلك منه كأنه أعجبه، قال: فقال: اهتمامي لما فيه المسلمون. قال: فإن الله سينجيك بشفقتك على المسلمين، وسل فمن ذا الذي سأل فلم يعطه، ودعاه فلم يجبه، وتوكل عليه فلم يكفه، أو وثق به فلم ينجه. قال:
فطفقت أقول: اللهم سلمني، وسلم مني. قال: فتجلت، ولم أصب فيها بشئ ".
قال مسعر: يرون أنه الخضر عليه السلام.
(122) - حدثنا سويد بن سعيد ثنا خالد بن عبد الله الرومي اليامي قال:
" استودع عند محمد بن المنكدر وديعة، فاحتاج إليها فأنفقها، فجاء صاحبها يطلبها، فقام محمد بن المكندر فصلى، ودعا فكان من دعائه أن قال: يا ساد الهواء بالسماء، ويا كابس الأرض على الماء، ويا واحدا قبل كل أحد كان، ويا واحدا بعد كل أحد كان، ويا واحدا بعد كل أحد يكون أد عني أمانتي، فإذا هاتف يهتف: خذ هذه فأدها عن أمانتك، واقصر في الخطبة فإنك لن تراني ".
(123) - حدثني محمد بن الحسين، ثنا إبراهيم بن داود، حدثني سهل بن حاتم - وكان من العابدين - حدثني أبو سعيد - رجل من أهل الإسكندرية - أنه قال:
" كنت أبيت في مسجد بيت المقدس، فكان قل ما يخلو من المتهجدين. قال:
قمت ذات ليلة بعدما قد مضى ليل طويل، فنظرت فلم أر في المسجد متهجدا، فقلت: ما بال الناس الليلة لا أرى منهم أحدا يصلي، فوالله إني لأفكر في ذلك في نفسي إذ سمعت قائلا يقول من نحو القبة التي على الصخرة كلمات كاد والله أن يصدع بهن قلبي كمدا واحتراقا وحزنا. قلت: يا أبا سعيد، وما قال؟ قال: سمعته يقول بصوت حزين:
يا عجبا للناس لذت عيونهم * مطاعم غمص بعده الموت منقضب