كتاب العمر والشيب - ابن أبي الدنيا - الصفحة ٢٣
نفسه لها، وأنشأ في تقعيدها وإذاعتها ما يزيد على مائة مصنف.
أثره في مجتمعه:
وكان لابن أبي الدنيا الأثر الكبير في مجتمعه، تجلى في تربيته لأولاد الخلفاء (1) الذين هم من أهم طبقات المجتمع، وممن سيتولى مقاليد أمور المسلمين وبصلاحهم تصلح البلاد، ويسعد العباد. كما تجلى في تدريسه وتعليمه لعدد هائل من طلبة العلم، وقد تخرج على يديه منهم جمع غفير، أصبحوا من أفراد الأمة علما وصلاحا.
كما ساهم في الحركة الإصلاحية التي استهدفت تربية الجماهير العظيمة.
المقبلة على هذا الدين عن طريق التأليف والتصنيف مقتفيا أثر شيخه الإمام أحمد ومن قبله من أمثال عبد الله بن المبارك وسفيان الثوري، فألف في التربية والزهد والرقائق مؤلفات جمة، وصفها الحافظ ابن كثير (2): المشهور بالتصانيف الكثير النافعة الشائعة الذائعة في الرقاق وغيرها، وهي تزيد على مائة مصنف، وقيل: إنها نحو الثلثمائة مصنف ".
ويكفي للدلالة على حرصه في تسديد المسلمين، وتحذيرهم من مزالق الشيطان قيامه بوضع هذه التآليف الوافرة في ميدان الأخلاق والتربية والإصلاح، وعلى رأسها " كتاب الصمت وآداب اللسان " (3) فإنه قد صنفه في فترة كانت مشحونة باللغط واللغو والانقسامات وما يترتب عليها من مشاحنات، وهو أمر يفرزه الترف الفكري، وتعين على البطالة وفي مثل هذا الجو يزخرف الشيطان للناس حب الكلام حتى تصبح شهوة مستحكمة، ويزين لكل قائل مقالته. وهذا ينبهنا أيضا - إلى أن الحافظ ابن أبي الدنيا كان مربيا مع كونه عالما، وداعية

(١) انظر تفصيل ذلك في فصل " مكانته العلمية ".
(٢) البداية والنهاية: ١١ / 71.
(3) انظر الفصل الذي عقدناه عن الكتاب وأهميته.
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»