كل فن، المشهور بالتصانيف الكثيرة النافعة الشائعة الذائعة في الرقاق وغيرها وهي تزيد على مائة مصنف، وقيل إنها نحو الثلاثمائة مصنف (1). وقال المزي: " صاحب التصانيف المشهورة المفيدة " (2) وهكذا تواطأت شهادات الأئمة في الثناء على مصنفاته الزهدية، وبأنها شاعت بين الناس، وعظم نفعها عندهم. وأصبحت مرجعا لكل من كتب في هذه الأبواب ممن خلفه من العلماء. قال ابن تغرى بردى: " وله التصانيف الحسان، والناس بعده عيال عليه في الفنون التي جمعها " (3). وندر أن يكون هناك باب من أبواب الزهد والأخلاق إلا وله فيه مؤلف مستقل.
ومن ذلك كتاب " الصمت وآداب اللسان " و " كتاب الزهد " و " كتاب محاسبة النفس " و " كتاب اليقين " و " كتاب ذم الدنيا " وغير ذلك من المصنفات الكثيرة جدا في هذا الباب (4).
ثانيا: تأديبه أولاد الخلفاء وغيرهم:
كان ابن أبي الدنيا بالإصالة إلى ما ذكرناه من رصانته العلمية، وموسوعيته ووفرة عطائه، فإنه كان أستاذا ماهرا ومدرسا قديرا، اصطفاه الخلفاء لتأديب أبنائهم وتثقيفهم. لأن التأديب في ذلك الوقت عمل علمي جليل، لا يليه إلا كل عالم ضليع باللغة والأدب (5)، ولا يسند إلا إلى أهل النبل والاستقامة، ليكون تأديبهم بالقدوة قبل الكلمة. وكان ابن أبي الدنيا قد توفرت فيه هذه الصفات بالإضافة إلى أنه كان شخصية محبوبة ومؤثرة وكان إذا جالس أحدا، إن شاء أضحكه، وإن شاء أبكاه في آن واحد (6).
أما أولاد الخلفاء الذين أدبهم ابن أبي الدنيا فقد أغفلت المصادر ذكرهم، واكتفت بالتعميم، ولم تسم منهم سوى اثنين وهما الخليفة المعتضد، وابنه علي بن