عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ١٩٣
من المعز ولن تجزىء عن أحد بعدك. ولفظ الحديث: إذبحها ولن تصلح لغيرك، وفي رواية: ولن تجزى عن أحد بعدك.
قوله: (ورواه أيوب) أي: روى الحديث المذكور أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، ووصله البخاري في أوائل الأضاحي عن مسدد عن إسماعيل هو ابن علية عن أيوب عن محمد عن أنس بن مالك... الحديث.
4766 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن الأسود بن قيس قال: سمعت جندبا قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم عيد ثم خطب، ثم قال: (من ذبح فليبدل مكانها، ومن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله).
مطابقة هذا للحديث الذي قبله ظاهرة. وقال الكرماني: مناسبة حديث البراء وجندب للترجمة الإشارة إلى التسوية بين الجاهل بالحكم والناسي في وقت الذبح.
والأسود بن قيس العبدي أبو قيس الكوفي، وجندب بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة وبالباء الموحدة ابن عبد الله بن سفيان البجلي.
ومضى الحديث في العيدين عن مسلم بن إبراهيم وفي الأضاحي عن آدم، وسيأتي في التوحيد عن حفص بن عمرو، ومضى الكلام فيه هناك.
61 ((باب اليمين الغموس)) أي: هذا باب في بيان حكم اليمين الغموس بفتح الغين المعجمة على وزن فعول بمعنى فاعل لأنها تغمس صاحبها في الإثم في الدنيا وفي النار في الآخرة. وقال ابن الأثير: هو على وزن فعول للمبالغة، وقيل: الأصل في ذلك أنهم كانوا إذا أرادوا أن يتعاهدوا أحضروا جفنة فجعلوا فيها طيبا أو رمادا أو وردا ثم يحلفون عندما يدخلون أيديهم فيها ليتم لهم المراد من ذلك بتأكيد ما أرادوا، فسميت تلك اليمين إذا غدر حالفها غموسا لكونه بالغ في نقض العهد، وقال بعضهم: وكأنها على هذا بمعنى مفعول لأنها مأخوذة من اليد المغموسة. انتهى.
قلت: هذا تصرف من ليس له ذوق من العربية، وهي على هذا القول مأخوذة من غمس اليد لا من اليد، وهي على هذا أيضا بمعنى فاعل على ما لا يخفى على الفطن، واليميين الغموس عند الفقهاء هي أن يحلف الرجل عن الشيء وهو يعلم أنه كاذب ليرضى بذلك أحدا، أو ليعتذر أو ليقتطع بها مالا. وقال أصحابنا: حلف الرجل على أمر ماض كذبا عامدا غموس وظانا على أن الأمر كما قال لغو، واختلفوا في حكمها. فقال ابن البر: أكثر أهل العلم لا يرون في الغموس كفارة، ونقله ابن بطال أيضا عن جهمور العلماء، وبه قال النخعي والحسن البصري ومالك ومن تبعه من أهل المدينة والأوزاعي في أهل الشام والثوري وسائر أهل الكوفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وأصحاب الحديث، وقال الشافعي: فيها الكفارة، وبه قال طائفة من التابعين.
* (ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم) * (النحل: 49) دخلا: مكرا وخيانة.
وجه ذكر هذه الآية لليمين الغموس ورود الوعيد على من حلف كاذبا متعمدا، وهذه الآية كلها سيقت في رواية كريمة وفي رواية أبي ذر إلى قوله: (بعد ثبوتها). قوله: (ولا تتخذوا أيمانكم دخلا) نهاهم الله تعالى عن اتخاذ أيمانهم دخلا، ويجيء تفسيره الآن، وقال مجاهد: كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز فينقضون حلف هؤلاء يحالفون الأكثر فنهوا عن ذلك. قوله: (فتزل قدم بعد ثبوتها) أي: فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها. قوله: (وتذوقوا السوء) أي: في الدنيا. قوله: (بما صددتم) أي: بسبب صدودكم عن سبيل الله. وهو الدخول في الإسلام. قوله: (ولكم عذاب عظيم) يعني: في الآخرة. قوله: دخلا، مكرا وخيانه. تسفير قتادة وسعيد بن جبير أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: خيانة وغدرا، وقال أبو عبيد: الدخل كل أمر كان على فساد.
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»