عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ١٨٨
لآبائهم الذين ولدوهم وثم قال: * (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) * (الأحزاب: 5) قبل النهي، ويقال: إن هذا على العموم فيدخل فيه كل مخطىء، وغرض البخاري هذا يدل عليه حديث الباب. قوله: * (وقال: لا تؤاخذني بما نسيت) * (الكهف: 37) هذه في آية أخرى في سورة الكهف يخاطب موسى عليه السلام بقوله: لا تؤاخذني الخضر عليه السلام، وذلك بعد ما جرى من أمر السفينة، وروى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: كانت الأولى من أمر موسى النسيان، والثانية العذر، ولو صبر لقص الله علينا أكثر مما قص، وبهذا استدل أيضا على أن الناسي لا يؤاخذ بحنثه في يمينه. فإن قلت: الخطأ نقيض الصواب، والنسيان خلاف الذكر، ولم يذكر في الترجمة إلا النسيان ولا تطابقها إلا الآية الثانية، وكذلك لا يناسب الترجمة من أحاديث الباب إلا الذي فيه تصريح بالنسيان، والآية الأول لا مطابقة لها في الذكر هنا، ألا يرى أن الدية تجب في القتل بالخطأ وإذا أتلف مال الغير خطأ فإنه يغرم؟.
قلت: إنما ذكر الآية الأولى وأحاديث الباب على الاختلاف ليستنبط كل أحد منها ما يوافق مذهبه، ولهذا لم يذكر الحكم في الترجمة، وإنما ذكرها لأنها أصول الأحكام ومواد الاستنباط التي يصلح أن يقاس عليها، ووجوب الدية في الخطأ وغرامة المال بإتلافه خطأ من خطاب الوضع فتيقظ فإنه موضع دقيق.
4666 حدثنا خلاد بن يحياى حدثنا مسعر حدثنا قتادة حدثنا زرارة بن أوفى عن أبي هريرة يرفعه قال: إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم. (انظر الحديث 8252 وطرفه).
مطابقته للترجمة من حيث إن الوسوسة من متعلقات عمل القلب كالنسيان.
وخلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام السلمي بضم السين المهملة، ومسعر بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين ابن كدام بكسر الكاف، وزرارة بضم الزاي وتخفيف الراء الأولى ابن أوفى بفتح الهمزة وسكون الواو وبالفاء العامري قاضي البصرة.
والحديث مضى في الطلاق عن مسلم بن إبراهيم وفي العتاق عن محمد بن عرعرة، وذكر الإسماعيلي أن الفرات بن خالد أدخل بين زرارة وبين أبي هريرة في هذا الإسناد رجلا من بني عامر، وهو خطأ، فإن زرارة من بني عامر فكأنه كان فيه: عن زرارة رجل من بني عامر، فظنه آخر وليس كذلك.
قوله: (يرفعه) أي: يرفع أبو هريرة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الكرماني: إنما قال: يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ليكون أعم من أنه سمعه منه أو من صحابي آخر سمعه منه. انتهى. وقال بعضهم: ولا اختصاص لذلك بهذه الصيغة، بل مثله في قوله: قال، وعن، وإنما يرفع الاحتمال إذا قال: سمعت أو نحوه. قلنا: غرض هذا القائل تحريشه على الكرماني وإلا فلا حاجة إلى هذا الكلام لأنه ما ادعى الاختصاص، ولا قوله ذلك ينافي غيره، يعرف بالتأمل، وذكر الإسماعيلي أن وكيعا رواه عن مسعر ولم يرفعه، قال: والذي رواه ثقة فوجب المصير إليه. قوله: (تجاوز لأمتي) وفي رواية هشام عن قتادة: عن أمتي، وهو أوجه. قوله: (أو حدثت به) وفي رواية هشام: عما وسوست به وما حدثت به، من غير تردد، وكذا في رواية مسلم. قوله: (أنفسها) بالنصب عند الأكثرين وعند بعضهم بالرفع. قوله: (أو تكلم)، بالجزم أراد أن الوجود الذهني لا أثر له وإنما الاعتبار بالوجود القولي في القوليات والعملي في العمليات، قيل: لو أصر على العزم على المعصية يعاقب عليه لا عليها، وأجيب بأن ذلك لا يسمى وسوسة ولا حديث نفس، بل هو نوع من عمل القلب.
5666 حدثنا عثمان ب الهيثم أو محمد عنه عن ابن جريج قال: سمعت ابن شهاب يقول: حدثني عيسى بن طلحة أن عبد الله بن عمر و بن العاص حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم، بينما هو يخطب يوم النحر إذ قام إليه رجل، فقال: كنت أحسب يا رسول الله كذا وكذا قبل كذا وكذا، ثم قام آخر فقال: يا رسول الله! كنت أحسب كذا وكذا لهؤلاء الثلاث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (افعل ولا حرج لهن كلهن يومئذ)، فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال: (إفعل ولا حرج).
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»