عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ١٩٧
العدم علة لامتناعه من ذلك، ثم حصل له مال بعد ذلك لم يلزمه عند الفقهاء كفارة إن وهب أو تصدق، لأنه إنما وقع يمينه على حالة العدم لا على حالة الوجود. وفي (التوضيح): إذا حلف الرجل بعتق ما لا يملك إن ملكه في المستقبل؟ فقال مالك: إن عين أحدا أو قبيلة أو جنسا لزمه العتق، وإن قال: كل مملوك أملكه أبدا حر، لم يلزمه عتق، وكذلك في الطلاق إن عين قبيلة أو بلدة أو صفة ما لزمه الحنث، وإن لم يعين لم يلزمه. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يلزمه الطلاق والعتق سواء عم أو خص. وقال الشافعي: لا يلزمه خص أو عم.
قوله: (أسأله الحملان) بضم الحاء المهملة وسكون الميم وهو ما يحمل عليه من الدواب في الهبة خاصة قوله: (والله) معترض بين القول ومقوله. قوله: (ووافقته) أي: النبي صلى الله عليه وسلم، والحال أنه غضبان، وجمهور الفقهاء يلزمون الغاضب الكفارة ويجعلون غضبه مؤكدا ليمينه، روي عن ابن عباس: أن الغضبان يمينه لغو ولا كفارة فيها. وروي عن مسروق والشعبي وجماعة: أن الغضبان لا يلزمه شيء لإطلاق ولا عتاق، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: لا طلاق في إغلاق ولا عتق قبل ملك. وفي حديث الأشعريين رد لهذه المقالة لأن الشارع حلف وهو غاضب ثم قال: والله لا أحلف على يمين...) الحديث. وأما حديث: (لا طلاق في إغلاق) فليس بثابت ولا مما يعارض به مثل حديث الأشعريين ونحوه.
والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة واستدركه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. أخرجوه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وقال أبو داود: أظنه في الغضب، وقال غيره: الإغلاق الإكراه والمحفوظ: إغلاق، كما هو لفظ ابن ماجة والحاكم، ولفظ أبي داود: غلاق، وأما حديث: (لا عتق قبل ملك)، فهو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: (لا طلاق إلا فيما يملك) رواه الأربعة والحاكم، ورواه أبو داود بإسناد صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن، وتأول المدنيون والكوفيون الإغلاق على الإكراه. قوله: (فلما أتيته) أي: النبي صلى الله عليه وسلم، أي: مرة أخرى بعد ذلك.
9766 حدثنا عبد العزيز إبراهيم عن صالح عن ابن شهاب.
(ح) وحدثنا الحجاج حدثنا عبد الله بن عمر النميري حدثنا يونس بن يزيد الأيلي قال: سمعت الزهري قال: سمعت عروة ابن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن حديث عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا، كل حدثني طائفة من الحديث، فأنزل الله * (إن الذين جاؤوا بالإفك) * (النور: 11)... العشر الآيات كلها في براءتي، فقال أبو بكر الصديق، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله: * (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أو يؤتوا ولي القربى) * (النور: 22) الآية. قال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها عنه أبدا.
مطابقته للجزء الثاني: للترجمة في قوله: (والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا) وهو مطابق لترك اليمين في المعصية لأنه حلف أن لا ينفع مسطحا أبدا لكلامه في عائشة، فكان حالفا على ترك طاعة فنهي عن الاستمرار على ما حلف عليه، فيكون النهي عن الحلف على فعل المعصية بطريق الأولى.
ثم إنه أخرج هذه القطعة من حديث الإفك المطول من طريقين: الأول: عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن صالح بن كيسان عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. والثاني: عن حجاج بن منهال عن عبد الله بن عمر النميري بضم النون وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف عن يونس بن يزيد الأيلي بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف، نسبة إلى
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»