عمدة القاري - العيني - ج ٢٢ - الصفحة ٩٣
في التفسير في سورة محمد صلى الله عليه وسلم. فإنه أخرجه هناك عن خالد عن سليمان عن معاوية بن أبي مزرد... إلى آخره، ومضى الكلام فيه.
قوله: (خلق الخلق) يحتمل أن يكون المراد خلق جميع المخلوقات، ويحتمل أن يكون المراد به المكلفين. قوله: (حتى إذا فرغ) المراد بالفراغ قضاؤه وإتمامه ونحو ذلك بما يشهد بأنه مجاز القول، فإن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن، أو يطلق عليه الفراغ الذي هو ضد الشغل. قوله: (قالت الرحم) يحتمل أن يكون هذا القول بعد خلق السماوات والأرض. أو بعد خلقها كتبا في اللوح المحفوظ، أو بعد انتهاء خلق أرواح بني آدم عند قوله: * ((7) ألست بربكم) * (الأعراف: 172).
لما أخرجهم من صلب آدم عليه السلام، مثل الذر، ثم إسناد القول إلى الرحم يحتمل أن يكون بلسان الحال، ويحتمل أن يكون بلسان المقال. يتكلم كما هي، أو يخلق الله لها عند كلامها حياة وعقلا، وقيل: هو في الحقيقة ضرب مثل واستعادة إذ الرحمن معنى وهو إيصال القربى بين أهل النسب، وهي استعارة تمثيلية، وهي التي الوجه فيها منتزع من أمور متوهمة للمشبه المعقول بما كانت تابعة للمشبه به المحسوس، وذلك أنه شبهت حالة الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة والذب منها من القطيعة بحال مستجير يأخذ بذيل المستجار به وحقو إزاره، ثم أدخل صورة حال المشبه في جنس المشبه به، واستعمل في حال المشبه ما كان مستعملا في المشبه به من الألفاظ بدلائل قرائن الأحوال، ويجوز أن يكون استعارة مكنية بأن يشبه الرحم بإنسان يستجير بمن يحميه ويذب عنه ما يؤذيه، ثم انعقد على سبيل الاستعارة التخييلية ما هو لازم المشبه به من القيام ليكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة، ثم رشحت الاستعارة بأخذ القول. وقال القاضي عياض: الرحم التي توصل وتقطع إنما هي معنى من المعاني ليست بجسم، وإنما هي قرابة ونسب يجمعه رحم والده ويتصل بعضه ببعض، فسمي ذلك الاتصال رحما. والمعاني لا يتأتى منها القيام ولا الكلام فيكون ذكر قيامها هنا وتعلقها بالعرش ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك وتعظيم شأنها وفضيلة واصلها وعظيم إثم قاطعها بعقوقه، ولهذا سمي العقوق قطعا، والعق الشق كأنه قطع ذلك السبب المتصل. قال: ويجوز أن يكون المراد قيام ملك من الملائكة وتعلق بالعرش وتكلم على لسانها بهذا بأمر الله عز وجل. قوله: (أن أصل من وصلك) الوصل من الله تعالى كناية عن عظيم إحسانه، والقطع منه كناية عن حرمان الإحسان.
5988 حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان حدثنا عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الرحم شجنة من الرحمان، فقال الله: من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وخالد بن مخلد بفتح الميم واللام، وسليمان هو ابن بلال، أبو أيوب، ويقال: أبو محمد القرشي التيمي مولى عبد الله بن أبي عتيق واسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وأبو صالح ذكوان السمان.
والحديث من أفراده.
قوله: (شجنة) بكسر الشين المعجمة وسكون الجيم بعدها نون وجاء بضم أوله وبفتحه رواية ولغة واصل الشجنة عروق الشجر المشتبكة. قوله: (من الرحمن) أي: أخذ اسمها من هذا لاسم كما في حديث عبد الرحمن بن عوف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: * (أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي من وصلها وصلته ومن قطعها بتته) * رواه أبو داود والترمذي وروى الطبراني من حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: * (الرحم شجنة مني فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) * والمعنى أنها أثر من آثار الرحمة مشتبكة بها فالقاطع لها منقطع من رحمة الله. وقال الإسماعيلي: معنى الحديث أن الرحم مشتق اسمها من اسم الرحمن، فلها به علقة وليس معناه أنها من ذات الله تعالى، تعالى الله عن ذلك.
5989 حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا سليمان بن بلال قال: أخبرني معاوية بن أبي مرزد
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»