عمدة القاري - العيني - ج ٢٢ - الصفحة ٨٢
الإسلام وأحب العمل أدومه، فما وجه الجمع بينه وبين حديث الباب؟ قلت: الاختلاف بالنظر إلى الأوقات أو الأحوال أو الحاضرين، فقدم في كل مقام ما يليق به أو بهم.
2 ((باب من أحق الناس بحسن الصحبة)) أي: هذا باب يذكر فيه من أحق الناس أن يصحب بحسن الصحبة، يقال: صحبه يصحبه صحبة، بالضم وصحابة بالفتح، قال الجوهري: والصحابة بالفتح الأصحاب وهو في الأصل مصدر والأصحاب جمع صحب، مثل: فرخ وأفراخ، وجمع الأصحاب أصاحب.
5971 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك.
قال ابن شبرمة ويحياى بن أيوب: حدثنا أبو زرعة مثله مطابقته للترجمة ظاهرة. وجرير بن عبد الحميد، وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن القعقاع بفتح القافين وإسكان المهملة الأولى ابن شبرمة بضم الشين المعجمة وتسكين الباء الموحدة وضم الراء ابن أخي عبد الله بن شبرمة الضبي الكوفي، وأبو زرعة هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، واعلم أن قوله: (عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة) كذا وقع في رواية الأكثرين، ووقع عند النسفي ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: عن عمارة بن القعقاع وابن شبرمة، بزيادة: واو، العطف والصواب حذفها فإن رواية ابن شبرمة ذكرها في آخر الحديث، وهو عبد الله بن شبرمة قاضي الكوفة عم عمارة بن القعقاع ابن شبرمة المذكور.
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن قتيبة وزهير وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن أبي كريب. وأخرجه ابن ماجة في الوصايا عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله: (جاء رجل) قال بعضهم: يحتمل أن يكون هذا الرجل معاوية بن حيدة لأن البخاري أخرج في (الأدب المفرد) من حديثه، قال: قلت: يا رسول الله! من أبر؟ قال: أمك... الحديث. وأخرجه أبو داود والترمذي. قلت: جاءت أحاديث في هذا الباب مما يشبه حديث الباب فلا يتعين في الاحتمال معاوية بن حيدة. منها حديث أنس رواه الطبراني في (الأوسط) قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني لأشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: فهل بقي أحد من والديك؟ قال: أمي. قال: قاتل بالله في برها فإذا فعلت ذلك فأنت حاج معتمر ومجاهد، ومنها حديث بريدة رواه الطبراني في (الصغير) أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني حملت أمي على عنقي فرسخين في رمضاء شديدة، لو ألقيت فيها قطعة لحم لنضجت، فهل أديت شكرها؟ فقال: لعله أن يكون بطلقة واحدة. ومنها حديث ابن عباس أخرجه تمام: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت إن فتح الله عز وجل عليك مكة أن آتي البيت، فأقبل أسفل الأسكفة فقال: قبل قدمي أمك، وقد وفيت نذرك. ومنها حديث ابن مسعود رواه الطبراني في (الأوسط) قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إن لي أهلا وأبا وأما فأيهم أحق بصلتي؟ قال: أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك. ومنها حديث معاوية بن جاهمة أخرجه النسائي وابن ماجة بلفظ: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة! قال: ويحك! أحية أمك؟ قلت: نعم. قال: إرجع فبرها، ثم أتيته من الجانب الآخر فذكر الحديث في سؤاله كذلك ثانية، فقال: إرجع وبرها، وسؤاله له كذلك ثالثة، قال: ويحك إلزم رجلها فشم الجنة، اللفظ لابن ماجة. قوله: (إمك) إلى قوله: (قال ابن شبرمة) كله مرفوع لجميع الرواة، ووقع عند مسلم من هذا الوجه بالنصب وفي آخره: ثم أباك، وجه الرفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره: أبوك أحق الناس بحسن الصحبة، ويجوز العكس، ووجه النصب بإضمار فعل تقديره: إلزم أو إحفظ أمك.
وفيه: دلالة على أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون أمثال محبة الأب لأنه صلى الله عليه وسلم كررها ثلاثا. وذكر الأب في الرابعة فقط، وإذا تؤمل هذا المعنى شهد له العيان وذلك
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»