عمدة القاري - العيني - ج ٢٢ - الصفحة ١١٨
مداراة من يتقى فحشه، وجواز غيبة الفاسق المعلن بفسقه، ومن يحتاج الناس إلى التحذير منه، وهذا الحديث أصل في المداراة وفي جواز غيبة أهل الكفر والفسق والظلمة وأهل الفساد.
39 ((باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل)) أي: هذا باب في بيان حسن الخلق، وفي بيان السخاء وفي بيان ما يكره من البخل، والخلق بالضم وسكون اللام وبضمها قال الراغب: الخلق والخلق يعني بالضم والفتح في الأصل بمعنى واحد كالشرب والشرب، لكن خص الخلق الذي بالفتح بالهيآت والصور المدكرة بالبصر، وخص الخلق الذي بالضم بالقوى والسجايا المدكرة بالبصيرة، وأما السخاء فهو إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، وبذل ما يقتنى بغير عوض، وهو من جملة محاسن الأخلاق بل هو من أعظمها. وأما البخل فهو ضده وليس من صفات الأنبياء ولا أجلة الفضلاء، وقيل: البخل منع ما يطلب مما يقتنى وشره ما كان طالبه مستحقا ولا سيما إذا كان من غير مال المسؤول. فإن قلت: ما معنى قوله: وما يكره من البخل؟ وزاد فيه لفظ: ما يكره؟ قلت: كأنه أشار بهذا إلى أن بعض ما يجوز إطلاق اسم البخل عليه قد لا يكون مذموما.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان هذا تعليق وصله البخاري في كتاب الإيمان. قوله: وأجود ما يكون (يجوز بالرفع والنصب، قاله الكرماني، ولم يبين وجههما. قلت: أما الرفع فهو أكثر الروايات ووجهه أن يكون مبتدأ وخبره محذوف، وكلمة: ما مصدرية نحو قولك: أخطب ما يكون الأمير قائما، أي: أجود أكوان الرسول حاصل. أو واقع. في رمضان، وأما النصب فبتقدير لفظ: كان، أي: كان أجود الكون في شهر رمضان، وأما كون أكثرية جوده في شهر رمضان فلأنه شهر عظيم وفيه الصوم وفيه ليلة القدر والصوم أشرف العبادات فلذلك قال: (الصوم لي وأنا أجزي به)، فلا جرم أنه يتضاعف ثواب الصدقة والخير فيه ولهذا قال الزهري: تسبيحه في رمضان خير من سبعين في غيره.
وقال أبو ذر لما بلغه مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخيه: إركب إلي هاذا الوادي فاسمع من قوله، فرجع فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (بمكارم الأخلاق) لأن حسن الخلق و السخاء من مكارم الأخلاق، وهذا التعليق وصله البخاري في قصة إسلام أبي ذر مطولا. قوله: (إلى هذا الوادي) أراد به مكة. قوله: (فرجع) فيه حذف تقديره: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع منه ثم رجع، والفاء فيه فصيحة. قوله: (يأمر بمكارم الأخلاق) أي: الفضائل والمحاسن لا الرذائل والقبائح. قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
6033 حدثني عمرو بن عون حدثنا حماد هو ابن زيد عن ثابت عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت وهو يقول: لن تراعوا لن تراعوا، وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج في عنقه سيف، فقال: لقد وجدته بحرا أو إنه لبحر.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعمرو بفتح العين ابن عون بن أويس السلمي الواسطي نزل البصرة.
ومضى الحديث في الجهاد في: باب إذا فزعوا بالليل.
قوله: (أحسن الناس) ذكر أنس هذه الأوصاف الثلاثة مقتصرا عليها وهي من جوامع الكلم لأنها أمهات الأخلاق، فإن في كل إنسان ثلاث قوى: الغضبية والشهوية والعقلية فكمال القوة الغضبية الشجاعة، وكمال القوة الشهوية الجود، وكمال القوة العقلية الحكمة، والأحسن إشارة إليه إذ معناه أحسن في الأفعال والأقوال. قوله: (فزع) أي: خاف أهل
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»