عمدة القاري - العيني - ج ١٩ - الصفحة ١٧٦
دعا على نفسه حيث ألح على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن الأثير كأنه دعا على نفسه بالموت والموت يعم كل أحد فإذا الدعاء عليه كلا دعاء، ويجوز أن يكون من الألفاظ التي تجري على ألسنة العرب ولا يراد بها الدعاء، كقولهم: تربت يداك وقاتلك الله. قوله: (نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنون وتخفيف الزاء وبالراء أي: ألححت عليه وبالغت في السؤال، ويروى بتشديد الزاي والتخفيف أشهر، وقال ابن وهب: أكرهته أي: أتيته بما يكره من سؤالي فأراد المبالغة، والنزر القلة ومنه البئر النزور القليل الماء. قال أبو ذر: سألت من لقيت من العلماء أربعين سنة فما أجابوا إلا بالتخفيف، وكذا ذكره ثعلب وأهل اللغة، وبالتشديد ضبطها الأصيلي وكأنه على المبالغة، وقال الداودي: نزرت قللت كلامه أو سألته فيما لا يحب أن يجيب فيه.
وفيه: أن الجواب ليس لكل الكلام بل السكوت جواب لبعض الكلام، وتكرير عمر، رضي الله تعالى عنه، السؤال إما لكونه ظن أنه صلى الله عليه وسلم لم يسمعه وإما لأنه الأمر الذي كان يسأل عنه كان مهما عنده، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أجابه بعد ذلك، وإنما ترك إجابته أولا لشغله بما كان فيه من نزول الوحي. قوله: (فما نشبت)، بكسر الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة أي: فما لبثت ولا تعلقت بشيء غير ما ذكرت قوله: (لهي أحب إلي)، اللام فيه للتأكيد، وإنما كانت أحب إليه من الدنيا وما فيها لما فيها من مغفرة ما تقدم وما تأخر، والفتح والنصر وإتمام النعمة وغيرها من رضاء الله عز وجل عن أصحاب الشجرة ونحوها. وقال ابن العربي: أطلق المفاضلة بين المنزلة التي أعطيها وبين ما طلعت عليها الشمس، ومن شرط المفاضلة استواء الشيئين في أصل المعنى ثم يزيد أحدهما على الآخر. وأجاب ابن بطال بأن معناه أنها أحب إليه من كل شيء لأنه لا شيء إلا الدنيا والآخرة، فأخرج الخبر عن ذكر الشيء بذكر الدنيا إذ لا شيء سواها إلا الآخرة وأجاب ابن العربي بما ملخصه أن أفعل قد لا يراد فيه المفاضلة كقوله: * (خير مستقر أو أحسن مقيلا) * (الفرقان: 42) ولا مفاضلة بين الجنة والنار، أو الخطاب وقع على ما استقر في أنفس أكثر الناس فإنهم يعتقدون أن الدنيا لا شيء مثلها وأنها المقصود فأخبر بأنها عنده خبر مما تظنون أن لا شيء أفضل منه.
4384 حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة سمعت قتادة عن أنس رضي الله عنه: * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) * (الفتح: 1) قال الحديبية .
غندر هذا لقب محمد بن جعفر، وقد تكرر ذكره، وقد مضى الحديث في المغازي بأتم منه، وأطلق على غزوة الحديبية الفتح، باعتبار أنه كان مقدمة الفتح.
5384 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة حدثنا معاوية بن قرة عن عبد الله بن مغفل قال قرأ النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة سورة الفتح فرجع فيها قال معاوية لو شئت أن أحكي لكم قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لفعلت .
عبد الله بن مغفل، بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء المفتوحة البصري، والحديث قد مضى في كتاب المغازي في: باب غزوة الفتح فإنه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعيد عن معاوية بن قرة إلى آخره، ومضى الكلام فيه.
قوله: (فرجع)، من الترجيع وهو ترديد الصوت في الحلق كقراءة أصحاب الألحان، وقيل: تقارب ضروب الحركات في الصوت، وزعم بعضهم أن هذا كان منه لأنه كان راكبا فجعلت الناقة تحركه فحصل به الترجيع وهو محمول على إشباع المد في موضعه وكان صلى الله عليه وسلم، حسن الصوت إذا قرأ مد ووقف على الحروف، ويقال: ما بعث نبي إلا حسن الصوت، وقام الإجماع على تحسين الصوت بالقراءة وترتيبها قاله القاضي.
2 ((باب: * (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما) * (الفتح: 2)) ليست هذه الآية بمذكورة في أكثر النسخ. قوله: (ليغفر لك الله)، اللام فيه لام القسم، لما حذفت النون من فعله كسرت اللام ونصب فعلها تشبيها بلام كي، وعن الحسن بن الفضل: هو مردود إلى قوله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ليغفر لك
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»