عمدة القاري - العيني - ج ١٩ - الصفحة ١٧٣
الطيبي: هذا القول مبني على الاستعارة التمثيلية كأنه شبه حالة الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة والذب عنها بحال مستجير يأخذ بحقو والمستجار به ثم أسند على سبيل الاستعارة التخييلية ما هو لازم المشبه به من القيام فيكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة. ثم رشحت الاستعارة بالقول والأخذ، وبلفظ الحقو فهو استعارة أخرى. قوله: (فقال له: مه) أي: فقال الرحمن للرحم، مه أي: اكفف، ويقال: ما تقول؟ على الزجر والاستفهام، وهاهنا إن كان على الزجر فبين، وإن كان عل الاستفهام فالمراد منه الأمر بإظهار الحاجة دون الاستعلام، فإنه يعلم السر وأخفى. وقالت النحاة مه اسم فعل معناه الزجر أي: اكفف وانزجر، وقال ابن مالك هي هنا ما الاستفهامية حذفت ألفها ووقف عليها بهاء السكت. قوله: (هذا مقام العائذ)، بالذال المعجمة وهو المعتصم بالشيء المستجير به قوله: (هذا) إشارة إلى المقام، معناه، قيامي هذا قيام العائذ بك، وهذا أيضا مجاز للمعنى المعقول إلى المثال المحسوس المعتاد بينهم، ليكون أقرب إلى فهمهم، وأمكن في نفوسهم. قوله: (أن أصل من وصلك) وحقيقة الصلة العطف والرحمة وهي فضل الله على عباده لطفا بهم ورحمته إياهم، ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطعها معصية كبيرة، والأحاديث في الباب تشهد لذلك، ولكن للصلة، درجات بعضها أرفع من بعض وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة. فمنها: واجب ومنها مستحب ولو قصر عما قدر عليه فينبغي أن يسمى واصلا.
واختلف في الرحم التي يجب صلتها. فقيل: هي كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى حرمت مناكحتها، فعلى هذا لا يجب في بني الأغمام وبني الأخوال لجواز الجمع في النكاح دون المرأة وأختها وعمتها. وقيل: بل هذا في كل ذي رحم ممن ينطلق عليه ذلك من ذوي الأرحام في المواريث محرما كان أو غيره. قوله: (قال: فذاك)، إشارة إلى قوله: (ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك)، أي: ذاك لك كما جاء في رواية هكذا.
قوله: (قال أبو هريرة) إلى آخره ظاهره أنه موقوف، ويأتي مرفوعا في الطريق الذي أخرجه عن إبراهيم بن حمزة عقيب هذا. قوله: (فهل عسيتم) قرأه نافع بكسر السين والباقون بالفتح، وقد حكى عبد الله بن المغفل أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها بكسر السين. قوله: (إن توليتم) اختلف في معناه فالأكثرون على أنها من الولاية والمعنى: إن وليتم الحكم، وقيل: بمعنى الإعراض، والمعنى: لعلكم إن أعرضتم عن قبول الحق أن يقع منكم ما ذكر، وقال الثعلبي: وعن المسيب بن شريك والفراء (فهل عسيتم أن توليتم) يعني: إن وليتم أمر الناس أن تفسدوا في الأرض بالظلم نزلت في بني أمية وبني هاشم. قوله: (وتقطعوا) قيل: من القطع، وقيل: من التقطيع على التكثير لأجل الأرحام.
1384 حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا حاتم عن معاوية قال حدثني عمي أبو الحباب سعيد ابن يسار عن أبي هريرة بهذا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤا إن شئتم * (فهل عسيتم) * .
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة المذكور. أخرجه عن إبراهيم بن حمزة أبي إسحاق الزبيري المديني عن حاتم ابن إسماعيل الكوفي نزيل المدينة عن معاوية بن أبي مزرد المذكور في الطريق السابق عن عمه أبي الحباب، بضم الحاء المهملة وبالياءين الموحدتين بينهما ألف واسمه سعيد بن يسار المذكور أيضا.
قوله: (بهذا) يعني: بالحديث المذكور قبله وأخرجه الإسماعيلي من طريق حاتم بم إسماعيل المذكور.
2384 حدثنا بشر بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا معاوية بن أبي المزرد بهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واقرؤوا إن شئتم * (فهل عسيتم) * .
هذا طريق آخر عن بشر بن محمد أبي محمد السختياني عن عبد الله بن المبارك إلى آخره. قوله: (بهذا) أي: بهذا الإسناد والمتن.
84 ((* (سورة الفتح) *)) أي: هذا تفسير بعض سورة الفتح، وهي مدنية، وقيل: نزلت بين الحديبية والمدينة منصرفه من الحديبية أو بكراع الغميم
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»