عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ٥٨
الزوجين مخصوصان بذلك.
وفي الحديث: إشارة إلى جواز التحكيم، وفي هذا الباب خلاف، فقال أبو حنيفة: إن وافق رأي المحكم رأي قاضي البلد نفذ وإلا فلا، وأجازه مالك والشافعي بشرط أن يكون فيه أهلية الحكم وأن يحكم بينهما بالحق سواء وافق ذلك رأي قاضي البلد أم لا. وقال القرطبي: هذا الرجل الذي تحاكما إليه لم يصدر منه حكم على أحد منهما، وإنما أصلح بينهما لما ظهر له من ورعهما وحسن حالهما، ولما ارتجى من طيب نسلهما وصلاح ذريتهما. وحكى المازري خلافا عندهم فيما إذا ابتاع أرضا فوجد فيها شيئا مدفونا، هل يكون ذلك للبائع أو للمشتري؟ فإن كان من أنواع الأرض: كالحجارة والعمد والرخام فهو للمشتري، وإن كان كالذهب والفضة فإن كان من دفين الجاهلية فهو ركاز، وإن كان من دفين المسلمين فهو لقطة، وإن جهل ذلك كان مالا ضائعا، فإن كان هناك بيت مال يحفظ فيه وإلا صرف إلى الفقراء والمساكين وفيما يستعان به على أمور الدين، وفيما أمكن من مصالح المسلمين. وقال ابن التين: فإن كان من دفائن الإسلام فهو لقطة، وإن كان من دفائن الجاهلية، فقال مالك: هو للبائع، وخالفه ابن القاسم فقال: إن ما في داخلها بمنزلة ما في خارجها، وقول مالك أحسن لأن من ملك أرضا باختطاط ملك ما في باطنها، وليس جهله به حين البيع يسقط ملكه فيه.
3743 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني مالك عن محمد بن المنكدر وعن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون فقال أسامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه. قال أبو النضر لا يخرجكم إلا فرارا منه.
مطابقته للترجمة في قوله: (على طائفة من بني إسرائيل). وأبو النضر، بسكون الضاد المعجمة: اسمه سالم وهو ابن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي المدني.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في ترك الحيل عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري. وأخرجه مسلم في الطب عن يحيى بن يحيى عن مالك به وعن جماعة آخرين. وأخرجه الترمذي في الجنائز عن قتيبة وأخرجه النسائي في الطب عن قتيبة وعن الحارث بن مسكين عن أبي القاسم عن مالك.
قوله: (في الطاعون) أي: في حال الطاعون وشأنه وهو على وزن: فاعول، من الطعن غير أنه عدل عن أصله ووضع دالا على الموت العام المسمى بالوباء وقال الخليل: الوباء هو الطاعون، وقيل: هو كل مرض عام يقع بكثير من الناس نوعا واحدا، بخلاف سائر الأوقات، فإن أمراضهم فيها مختلفة. فقالوا: كل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعونا، وقيل: الطاعون هو الموت الكثير. وقيل: بثر وورم مؤلم جدا يخرج مع لهيب ويسود ما حوله أو يخضر ويحصل معه خفقان القلب والقيء ويخرج في المراق والآباط. قوله: (رجز)، أي: عذاب كائن على من كان قبلنا، وهو رحمة لهذه الأمة كما صرح به في حديث آخر. قوله: (فلا تقدموا)، بفتح الدال عليه أي: على الطاعون الذي وقع بأرض، وذلك لأن المقام بالموضع الذي لا طاعون فيه أسكن للقلوب. قوله: (فرارا منه) أي: لأجل الفرار من الطاعون.
وذكر ابن جرير الخلاف عن السلف في الفرار منه، وذكر عن أبي موسى الأشعري أنه: كان يبعث بنيه إلى الأعراب من الطاعون، وعن الأسود بن هلال ومسروق، أنهما كانا يفران منه، وعن عمرو بن العاص، أنه قال: تفرقوا في هذا الرجز في الشعاب والأودية ورؤوس الجبال، فبلغ معاذا فأنكره. وقال: بل هو شهادة ورحمة ودعوة نبيكم، وكان بالكوفة طاعون فخرج المغيرة منها، فلما كان في حضار بني عوف طعن فمات. وأما عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، فإنه رجع من سرع ولم يقدم عليه حين قدم الشام وذلك لدفع الأوهام المشوشة لنفس الإنسان، وتأول من فر أنه لم ينه عن الدخول أو الخروج مخافة أن يصيبه غير المقدر، ولكن مخافة الفتنة أن يظنوا أن هلاك القادم إنما حصل بقدومه، وسلامة الفار إنما كانت بفراره، وهذا من نحو النهي
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»