كما نص عليه في القرآن. قوله: (فقال له: هل من توبة؟) يعني: فقال للراهب: هل من توبة لي؟ وفي بعض النسخ فقال: له توبة؟ وقال بعض شراحه: حذف أداة الاستفهام، وفيه تجريد لأن حق القياس أن يقول: ألي توبة؟ قلت: ليس هذا بتجريد، وإنما هو التفات. وقوله: لأن حق القياس، غير موجه لأنه لا قياس هنا، وإنما يقال في مثل هذا: لأن مقتضى الظاهر أن يقال كذا. قوله: (فقتله) أي: قتل الراهب الذي سأله وأجابه بلا. قوله: (فجعل يسأل) أي: من الناس ليدلوه على من يأتي إليه فيسأله عن التوبة. قوله: (فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا)، وزاد في رواية هشام فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا كان نصف الطريق أتاه الموت. قوله: (فأدركه الموت)، أي: في الطريق، والفاء فيه فصيحة تقديره: فذهب إلى تلك القرية فأدركه الموت، والمراد إدراك أمارات الموت. قوله: (فناء) بنون ومد وبعد الألف همزة، أي: مال بصدره إلى ناحية تلك القرية التي توجه إليها للتوبة والعبادة، وقيل: فنى، على وزن سعى بغير مد أي بعد، فعلى هذا المعنى بعد عن الأرض التي خرج منها. وقيل: قوله فناء بصدره مدرج، والدليل عليه أنه قال في آخر الحديث: قال قتادة: قال الحسن: ذكر لنا أنه لما أتاه الموت ناء بصدره. قوله: (فاختصمت فيه)، وزاد في رواية هشام. فقالت ملائكة الرحمة: جاءنا تائبا مقبلا بقلبه إلى الله تعالى. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه حكما بينهم فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيهما كان أدنى فهو لها. قوله: (فأوحى الله إلى هذه) أي: إلى القرية المتوجه إليها (أن تقربي) كلمة أن، تفسيرية. قوله: (وأوحى إلى هذه) أي: إلى القرية المتوجه منها: (أن تباعدي). قوله: (قيسوا ما بينهما) أي: ما بين القريتين، وقال بعضهم متعجبا: وقعت لي تسمية القريتين المذكورتين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في (الكبير) للطبراني، قال: فيه أن اسم القرية الصالحة نصرة واسم القرية الآخرة كفرة. قلت: هذا ليس محل التعجب والاستغراب فإن اسمها مذكور في مواضع كثيرة، وقد ذكرها أبو الليث السمرقندي في (تنبيه الغافلين). قوله: (فوجد إلى هذه)، أي: إلى القرية التي توجه إليها. قوله: (فغفر له) أي: غفر الله له. فإن قيل: حقوق الآدميين لا تسقط بالتوبة بل لا بد من الاسترضاء. وأجيب: بأن الله تعالى إذا قبل توبة عبده يرضى خصمه.
وفي الحديث: مشروعية التوبة من جميع الكبائر حتى من قتل النفس، وقال القاضي: مذهب أهل السنة أن التوبة تكفر القتل كسائر الذنوب، وما روي عن بعضهم من تشديد في الزجر وتقنيط عن التوبة، فإنما روي ذلك لئلا تجترىء الناس على الدماء، قال الله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (النساء: 84 و 611). فكل ما دون الشرك يجوز أن يغفر له. وأما قوله تعالى: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) * (النساء: 39). فمعناه: جزاؤه أن جازاه وقد لا يجازى بل يعفو عنه، وإذا استحل قتله بغير حق ولا تأويل فهو كافر يخلد في النار إجماعا. وفيه: فضل العالم على العابد، لأن الذي أفتاه أولا بأن لا توبة له غلبت عليه العبادة، فاستعظم وقوع ما وقع من ذلك القاتل من استجرائه على قتل هذا العدد الكثير، وأما الثاني فغلب عليه العلم فأفتاه بالصواب ودله على طريق النجاة. وفيه: حجة من أجاز التحكيم، وأن المحكمان إذا رضيا جاز عليهما الحكم. وفيه: أن للحاكم، إذا تعارضت عنده الأحوال وتعذرت البينات، أن يستدل بالقرائن على الترجيح. وفيه: من جواز الاستدلال على أن في بني آدم من يصلح للحكم بين الملائكة. وفيه: رجاء عظيم لأصحاب العظائم.
1743 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل على الناس فقال بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت إنا لم نخلق لهاذا إنما خلقنا للحرث فقال الناس سبحان الله بقرة تكلم فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة فطلب حتى كأنه استنقذها منه فقال له الذئب هذا